للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عقلي قد ذهب (١).

وقال وكيع بن الجراح لشخصٍ اعترض عليه بقول أحد التابعين: أقول لك قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وتقول قال إبراهيم؟ ما أحقك أن تحبس ثم لا تخرج حتى تنزع عن قولك هذا (٢).

وروعة هذه النماذج تغري الكاتب بالاسترسال وتشدُّ القارئ لطلب المزيد بما يقف القلم معه عاجزًا عن استقصاء أحوالها؛ لأنها نماذج رائعة مسطرة بمدادٍ من نور في سجل علماء الإسلام، تكشف خاصية التجرد والتسليم لخطاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فالآراء والاجتهادات تتوقف وتوضع جانبًا حين يأتي حديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.

لم يكن أحد من فقهاء الإسلام يرد حديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بل ولا حتى يتوقف في ذلك لأي سبب كان، وكلُّ ما وقع من ترك أحدٍ من الفقهاء لبعض الأحاديث فإنما كان بسبب عذر خاص به ناشئٍ عن عدم بلوغ الحديث له أو كونه يتأوله بما يخالف ظاهره، وأما أن يكون أحد منهم قد ترك حديثًا واحدًا (تركًا غير جائز فهذا لا يكاد يصدر من الأئمة) (٣).

ولا عجب فالعلماء هم أعظم الناس خشية للَّه {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: ٢٨] ومن تمام هذه الخشية ولوازمها أن يسلم وينقاد لمن أمره اللَّه - تعالى- بطاعته والتسليم لكلامه {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}. [آل عمران: ٣١]


(١) انظر: الفقيه والمتفقه، ص ٣٠١.
(٢) انظر: الفقيه والمتفقه، ص ٢٨٨.
(٣) رفع الملام لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>