فإذا لم يرد اللَّه هداية إنسانٍ إلى الإسلام فلن يملك أحد له شيئًا {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ}[النساء: ٨٨]، وقال نوح مخاطبًا قومه {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ}[هود: ٣٤] لأن القاعدة الشرعية الراسخة في نفوس المسلمين جميعًا أنه: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}[المائدة: ٤١]، فهم محجوبون عن الهداية، بل ويصرفهم اللَّه عنها لِمَا علم من حالهم {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا}[الأعراف: ١٤٦].
هاتان الحقيقتان تزيحان الستار عن ناظري المسلم بأن فهم الإسلام والاقتناع به لا يعني الدخول فيه، وأن من يرفض الدخول في الإسلام فليس لأنه لم يفهم الدليل ولم يقتنع به، فثمَّ أمر آخر فوق هذا كلِّه، هو إرادة اللَّه ومشيئته؛ فالهداية ليست مرتبطة آليًا بالدليل العقلي، فإذا رفض شخص الإسلام بحثنا عن المزيد من الدلائل العقلية واجتهدنا في الإقناع تلو الإقناع، بل هي هداية وانشراح قبل ذلك وبعده، وهذا يضع (الدليل العقلي) في مكانه الصحيح فلا يطغى ويتضخم ليربك المفاهيم والأولويات الشرعية.
الحقيقة الثالثة: أن الدلائل العقلية ليست على الوجه الذي يريد الكفار؛ فإنهم يقترحون دلائل معينة فلا تحقق لهم {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ}[هود: ١٢]، وطالبوا {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (٩٠) أَوْ تَكُونَ لكَ