للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشرعية، فإن مردَّه إلى كتاب اللَّه وسنَّة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، هذا ما يستشعره بالضرورة كلُّ منقادٍ لأمر اللَّه وأمر رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأما الاحتجاج بخلاف الفقهاء في ترك العمل بالنصوص فهو قلب للقضية؛ إذ أصبح حكم اللَّه ورسوله حينها متوقفًا على كلام الفقهاء؛ فما دام ثَمَّ قول فقهي مخالف فالنصوص متعطِّلة لحين الاتفاق على العمل بها، وبدلًا من أن تُحَاكَم أقوال الفقهاء لنصوص الوحي، تصبح دلالة الوحي متوقِّفة حتى يتمَّ الاتفاق على مفهومها. لا شك أن هذه ممارسة بعيدة كلَّ البعد عمَّا كان عليه الفقهاء في خلافاتهم الفقهية؛ فهم وإن اختلفوا في كثير من المسائل إلا أنهم متفقون -قطعًا- على أن دلالة النصوص هي الحاكمة عليهم وأن أقوالهم تتلاشى مع حضور الوحي، ولم يكن أحد منهم يشترط (الإجماع) على النص حتى يتمَّ العمل به، ولا كان خلاف الفقهاء سقفًا يحول دون نفوذ شعاع الوحي، وقد كان هذا مفهومًا متقرِّرًا لدى جميع فقهاء المذاهب؛ فقد ذكر شيخ الإِسلام ابن تيمية أن المختلَف في تحريمه لا يكون حلالًا؛ حيث وصفه قائلًا: (هذا مخالف لإِجماع الأمة، وهو معلوم البطلان بالاضطرار من دين الإِسلام) (١). وحَكَم الفقيه ابن حزم على مَنْ هذا حاله، فقال: (ولو أن امرأً لا يأخذ إلا بما أجمعت عليه الأمة فقط، ويترك كلَّ ما اختلفوا فيه مما قد جاءت فيه النصوص، لكان فاسقًا بإِجماع الأمة) (٢)، كما حكى ابن القطَّان اتفاق العلماء على حرمة ترك ما صحَّ من الشرع والاكتفاء فقط بما أُجمع عليه (٣).

وبلسان الناقد البصير يقول الإِمام الشاطبي عن هذه الظاهرة (وقد زاد هذا


(١) مجموع الفتاوى: ٢٠/ ٢٧٠.
(٢) الإحكام في أصول الأحكام: ١/ ٢٩١، بل ذهب ابن حزم إلى أبعد من هذا، فقال عن هذا القول: (بل قد أصبح الإجماع على أن قائل هذا القول معتقدًا له كافر بلا خلاف؛ لرفضه القول بالنصوص التي لا خلاف بين أحد في وجوب طاعتها)، الإحكام: ١/ ٤٨١.
(٣) انظر: الإقناع في مسائل الإجماع: ١/ ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>