للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى}، واقترن الجواب بالفاء لأنه جملة طلبية (١)، ولم يات الجواب بالنهي عن نكاح اليتيمات أو بالأمر بترك نكاحهن إذا خيف عدم الإقساط فيهن - وإنما جاء الأمر بنكاح ما طاب لهم من النساء إرشاداً لهم وتوجيهاً إلى البديل، وأن النساء غير اليتيمات كثير، وأن الأمر واسع ولم يضيق الله عليهم.

قال الحافظ ابن كثير (٢) -رحمه الله-: «أي إذا كانت تحت حجر أحدكم يتيمه، وخاف أن لا يعطيها مهر مثلها، فليعدل إلى ما سواها من النساء، فإنهن كثير ولم يضيق الله عليه (٣)».

فالمعنى: فإن خفتم ألا تعدلوا في اليتامى فاتركوهن وجوبًا، وانكحوا ما طاب لكم من النساء سواهن استحباباً، أو جوازًا (٤).

قوله (انكحوا) النكاح معناه لغة الضم والجمع، لأنه بعقد النكاح يكون اجتماع الزوج والزوجة، واجتماع الأصهار بعضهم إلى بعض، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي


(١) يقترن جواب الشرط بالفاء في عدة مواضع قال الناظم:
اسمية طلبية وبجامد ... وبما ولن وبقد وبالتنفيس

ذكره الخضري في حاشيته ٢/ ١٢٣، والصبان في حاشيته ٤/ ٩.
(٢) في «تفسيره» ٢/ ١٨١.
(٣) ومن هذا ومثله يعلم أن الشرع إذا منع من شيء وحرمه لسبب من الأسباب فإنه يبيح ويحل أضعاف أضعافه، ولهذا فإن الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما دل الدليل على تحريمه كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} سورة البقرة، آية: ٢٩.
أي: أباحه لكم، لأن اللام في قوله «لكم» للإباحة.
فإذا انغلق باب، فتح الله ألف باب وكما قيل:
وإذا رأيت الرزق ضاق ببلدة ... وخشيت فيها أن يضيق المذهب

فارحل فأرض الله واسعة الفضا ... طولًا وعرضًا شرقها والمغرب

وحاشا للشرع الحكيم، الذي وضع الله به عن هذه الأمة الآصار والأغلال أن يغلق الباب على المكلف، فيكون كما قال الحلاج في ديوانه ص ١٤٥:
ألقاه في اليم مكتوفًا وقال له ... إياك إياك أن تبتل بالماء

وصدق الله العظيم {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} سورة الحج الآية (٧٨).
(٤) سيأتي في الفوائد والأحكام زيادة بيان لهذا إن شاء الله.

<<  <   >  >>