للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ونظائر ذلك لكمال علمه ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣] لعظمته وإحاطته بما سواه، وأنه أكبر من كل شيء وأنه واسع (١) فيرى ولكن لا يحاط به إدراكا كما يعلم ولا يحاط به علما، فيرى ولا يحاط به رؤية، فهكذا ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ هو متضمن لإثبات جميع صفات الكمال، على وجه الإجمال وهذا هو المعقول في نظر الناس وعقولهم وإذا قالوا: فلان عديم المثل أو قد أصبح ولا مثل له في الناس أو ما له شبيه ولا له من يكافيه، إنما يريدون بذلك أنه تفرد من الصفات والأفعال والمجد بما لم يلحقه فيه غيره، فصار واحدا من الجنس لا مثيل له، ولو أطلقوا ذلك عليه باعتبار نفي صفاته وأفعاله ومجده، لكان ذلك عندهم غاية الذم والتنقص له، فإذا أطلق ذلك في سياق المدح والثناء لم يشك عاقل في أنه إنما أراد كثرة أوصافه وأفعاله وأسمائه التي لها حقائق تحمل عليها.

فهل يقول عاقل لمن لا علم له ولا قدرة ولا سمع ولا بصر ولا يتصرف بنفسه ولا يفعل شيئًا ولا يتكلم ولا له وجه ولا يد ولا قوة ولا فضيلة من الفضائل: إنه لا شبيه له ولا مثل له وإنه وحيد دهره وفريد عصره ونسيج وحده وهل فطر الله الأمم وأطلق ألسنتهم ولغاتهم إلا على ضد ذلك وهل كان رب العالمين أهل الثناء والمجد إلا بأوصاف كماله ونعوت جلاله وأفعاله وأسمائه الحسنى وإلا فبماذا يثني عليه المثنون؟! وبماذا يثني على نفسه أعظم مما يثني به عليه جميع خلقه؟! ولأي شيء يقول أعرف خلقه به: «لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» (٢).


(١) كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ١١٥].
(٢) أخرجه مسلم (٤٨٦) من حديث عائشة .

<<  <   >  >>