للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأقمت كذلك إلى أن دخلت عليه ليلةً، فدعا بالعشاء، فأتي بطبيخٍ، فأكل منه بعض جلسائه، فامتلأ، فضحك بطالٌ كان يكون بباب النعمان، فغضب وقال: أبجليسي تضحك؟ أحرقوا صليفيه بالشمعة! فأحرق صليفاه. قال حسان: فوالله إني لجالسٌ عنده، إذا بصوتٍ خلف قبته، وكان يوماً ترد فيه النعم السود، ولم يكن للعرب نعم سود إلا للنعمان، فأقبل النابغة فاستأذن، فقدم، وهو يقول: السريع

أنامَ أَمْ يَسمعُ رَبُّ القُبَّه، ... يا أَوْهَبَ النّاسِ لِعيسٍ صُلْبَه

ضَرَّابةٍ بالمِشفَرِ الأذبَّه، ... ذاتِ تَجافٍ في يَدَيها حَدْبَه

قال: أبو أمامة، أدخلوه! فأنشده قصيدته التي يقول فيها: الطويل

وَلَسْتَ بِمُسْتَبقٍ أَخاً لا تَلُمّهُ ... على شعَثٍ، أيُّ الرّجال المهذَّبُ

فأمر له بمائة ناقةٍ فيها رعاؤها ومطافيلها وكلابها من السود. قال حسان: فخرجت من عنده لا أدري أكنت له أحسد على شعره، أم على ما نال من جزيل عطائه، فرجعت إلى صاحبي، فقال: انصرف، فلا شيء لك عنده سوى ما أخذت.

وعنه في حديث رفعه إلى الوليد بن روح الجمحي قال: مكث النابغة دهراً لا يقول الشعر، ثم أمر بثيابه، فغسلت، وعصب حاجبيه على جبهته، فلما نظر إلى الناس أنشأ يقول:

<<  <   >  >>