دارم، فلحق بعمه فلذلك حفظ الفرزدق أخباره، والله أعلم.
[فصل آخر:]
قال الفرزدق: أصابنا بالبصرة مطرٌ جودٌ ليلاً، فلما أصبحت ركبت بغلةً لي حتى انتهيت إلى المربد، وإذا آثار دوابٍ قد خرجن، فظننت أنهم قد خرجوا يتنزهون، وخليق أن يكون معهم طعامٌ وشرابٌ، فاتبعت آثارهم حتى أتيت إلى بغالٍ عليها رحالٌ جنب الغدير فأسرعت السير فإذا في الغدير نسوةٌ مستنقعات، فقلت: لم أر كاليوم قط ولا يوم دارة جلجل. قال: ثم انصرفت فنادينني: يا صاحب البغلة إرجع نسألك. فأقبلت إليهن، فقعدن في الماء إلى حلوقهن وقلن: بالله إلا ما حدثتنا بيوم دارة جلجل. فقلت:
حدثني جدي وهو شيخٌ وأنا غلامٌ يومئذٍ حافظٌ لما أسمع أن امرأ القيس كان مولعاً بابنة عمٍ له، يقال لها فاطمة، وأنه طلبها زماناً فلم يصل إليها، حتى كان يوم الغدير، وذلك أن الحي احتملوا وقدموا الرجال وخلفوا النساء والخدم والعسفاء والثقل. فلما رأى لك امرؤ القيس تخلف عن قومه في غيابة من الأرض حتى مرت به النساء. وإذا فتياتٌ وفيهن إبنة عمه، فلما وردن الغدير قلن: لو نزلنا فاغتسلنا وذهب عنا بعض ما نجد من الكلال. فقالت إحداهن: نعم! فنزلن فنحين ثيابهن، ثم تجردن فدخلن الغدير. قال: فأتاهن امرؤ القيس مخاتلاً فأخذ ثيابهن، ثم جمعها وقعد عليها وقال: والله لا أعطي واحدةً منكن ثوبها حتى تخرج كما هي فتكون هي التي تأخذه؛