للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد تخلصت العربية الفصحى، من هذه الظاهرة رويدا رويدا، غير أن بقاياها ظلت حية عند بعض القبائل العربية القديمة، كما بقيت بعض أمثلتها في الفصحى، وهو ما نسميه هنا بالركام اللغوي. وتعرف هذه الظاهرة عند النحاة العرب بلغة "أكلوني البراغيث"، وقد عرفت بهذا الاسم؛ لأن سيبويه هو أول من مثل لها في كتابه، واختار هذا المثال فقال: "في قول من قال: أكلوني البراغيث"١، كما قال في موضع آخر: "ومن قال: أكلوني البراغيث، قلت على حد قوله: مررت برجل أعورين أبواه"٢. وإن كان قد ضرب لهذه الظاهرة أمثلة أخرى في كتابه، فقال: "واعلم أن من العرب من يقول: ضربوني قومك، وضرباني أخواك، فشبهوا هذه بالتاء التي يظهرونها في: قالت فلانة، فكأنهم أرادوا أن يجعلوا للجمع علامة، كما جعلوا للمؤنث علامة، وهي قليلة"٣.

وقد حكيت هذه اللغة عن قبيلة "بلحارث بن كعب"، كما حكاها أهل البصرة عن قبيلة "طيئ"، وبعض النحاة يحكيها عن قبيلة "أزد شنوءة"٤. وقد بقيت هذه الظاهرة شائعة في كثير من اللهجات العربية الحديثة، كقولنا مثلا في لغة الخطاب، في مصر: "ظلموني الناس" و"زارونا الجيران" وغير ذلك. كما بقيت بعض أمثلتها في القرآن الكريم، والحديث الشريف، واحتفظ بها الكثير من أبيات الشعر العربي القديم.


١ كتاب سيبويه ١/ ٥.
٢ كتاب سيبويه ١/ ٢٣٧.
٣ كتاب سيبويه ١/ ٢٣٦.
٤ انظر الجنى الداني للمرادي ١٧١.

<<  <   >  >>