ولقد كانت هذه الظاهرة في سبيل التطور في العربية الفصحى، عندما جاء الإسلام، ولذلك نجد أمثلتها في القرآن الكريم، جنبا إلى جنب في بعض الأحيان، مع الصيغ القديمة التي لم يحدث فيها تطور. ونحن نعد هذا دليلا على أن التطور اللغوي، في أية ظاهرة لغوية، لا يحدث فجأة، فيقضي بين يوم وليلة على كل أثر للقديم.
ففي القرآن الكريم أمثلة كثيرة للصورتين الحديثة والقديمة، في سياق لغوي متشابه إلى حد كبير، مما يؤيد ما نذهب إليه من أن معناهما واحد، وأن إحدى الصورتين أصل للأخرى، ومثال ذلك قوله تعالى:{وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}[التوبة: ١٠٨] إلى جانب قوله في آية أخرى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[البقرة: ٢٢٢] . كما يقول الله عز وجل:{قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ}[يس: ١٨] . ويقول سبحانه وتعالى:{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ}[المؤمنون: ٦٨] ، إلى جانب قوله في موضع آخر:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد: ٢٤] . ومثله قوله جل شأنه:{وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}[البقرة: ٢٦٩] إلى جانب قوله في آية أخرى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}[الرعد: ١٩] .
بل إن الآية والواحدة لتحتوي في بعض الأحيان، على الصورتين معا، كقوله تعالى:{لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص: ٢٩] .