والعمالة والتجسس ونحو ذلك، مما لا يليق بمسلم أن ينسب أخاه إليه بحال، فضلا عن أن يعلنه للناس بكل ما لديه من وسائل غافلين أو متغافلين عن أن ما يتعرض له الإسلام من محاولات استئصال أخطر على الأمة من تلك الاختلافات، وإذا كان للأئمة المجتهدين اسباب اختلاف تبرر اختلافهم، وتخفف منها، وتساعد على وضعها ضمن ضوابط الاختلاف، فإن ارباب الاختلاف من المعاصرين لا يملكون سببا واحدا من اسباب الاختلاف المعقولة، فهم ليسوا بمجتهدين، وكلهم مقلدون بمن فيهم أولئك الذين
يرفعون أصواتهم عاليا بنبذ التقليد ونفيه عن أنفسهم، وأنهم يأخذون الأحكام من الكتاب والسنة مباشرة دون تقليد، وهم في الحقيقة يعكفون على بعض كتب الحديث، ويقلدون كاتبيها في كل ما يقولون في الحديث ودرجه ورجاله ويتابعونهم في كل ما يستنبطونه من تلك الكتب أو ينقلونه من الفقهاء، وكثير منهم ينسب لنفسه العلم بالرجال ومعرفة مراتب الجرح والتعديل وتاريخ الرجال، وهو في ذلك لا يعدو أن يكون قد درس كتابا من كتب القوم في هذا الموضوع أو ذاك فأباح لنفسه أن يعتلي منبر الاجتهاد، وحق له أن يتعالى على العباد، وحري بمن نال نصيبا من العلم أن ينهاه علمه أن يكون من الجاهلين، وأن يترفع عن توزيع الألقاب واتهام الناس، ويدرك خطورة ما تتعرض له عقيدة الأمة فيعمل على الذب عنها، ويحرص على جميع القلوب، ومادام الجميع يقلدون ويأخذون عن أئمتهم أقوالهم على اختلافهم وإن زعموا غير ذلك فلا أقل من أن يلتزموا بآداب الاختلاف التي عاش في كنفها كرام الأئمة من السلف.