وليس هذا من إمامنا على أنه أباح التقليد، ولا أنه منع من الاجتهاد عند الحادثة ويصير إلى موجب الدليل.
وقد اختلف أصحابنا في هذا الأصل ونظائره: فرأيت طائفة من أصحابنا يسلكون في كل المسائل في الفروع والأصول الوقف وأنه لا يفتى بشيئ إلا ما سبق به، وإلا وجب السكوت في ذلك. وطائفة ثانية فضلت فقالت: ما كان من الأصول فإنه لا يجيب في شيء إلا ما كان القول من الأئمة فيه سابقا وعلموا على ما نقل أبو طالب عن أبي عبد الله في الأعيان إن من قال: ملوق فهو جهمي. ومن قال أن غير مخلوق ابتدع وإنه يهجر حتى يرجع، وإن ذلك وعيد على مخالفة أمر لا يسع الجواب فيه، وإن كان من الفروع في الفقه فإنه يسع الجواب، وإن كان به منفردا.
قال أبو حامد رحمة الله عليه: والأشبه عندي أن سائر الفقه والأصول سواء، وأن له إيقاع الجواب عند الاضطرار ونزول الحادثة أنه يجتهد فيما يوجبه الدلليل بذلك وإن كان بالقول منفردا، كما أن إمامنا صار في الأصول إلى ظاهر التنزيل وإن خالفه الملأ أجمعون.
وقول إمامنا في كل مسائلة يحث على الإتباع للفضل. وما نقل عنه في الأيمان والألفاظ من قوله ابتدع، إنما ذلك بيان أنه أي الجواب لم يسبق به، وقد بين إمامنا رحمة الله عليه في القرآن أنه لا يشك ولا يوقف فيه، وأن القائلين بالحكاية والمحكى، واللفظ والملفوظ والتلاوة والمتلو زنادقة. فإذا ثبت هذا عنه بأن ذلك إنه إنما نهى عن الإجابة بأنه غير مخلوق إذا لم يسبق به في الجواب فيدخل في جملة المتكلفين، وعلى هذا كل الأصول في المذهب وبالله التوفيق.