بالاختلاف من الناس؟ قالوا: ومن ذلك كان جوابه بأن يقول: قال عبد الله كذا، وقال عمر كذا، ويكون حاكيا عن غيره ولا اجتهاد له في أصوله ولا في جوابه. قالوا ومن قال قولين فقد ثبت أنه قد ثبت له اجتهاده في الحادثة حتى أوصله ذلك إلى قطعه بالقولين فيها. قالوا: فإذا ثبت لمن قال بالقولين قوة الاجتهاد، وكان في جوابه أسد ممن قال في جوابه قال فيها زيد كذا وعمرو كذا، فقد ضيع ما سئل عنه، إذ ما سئل عن الاختلاف بين الناس، وإنما سئل عن الجواب عنده فلا يجوز له إحالة جوابه ولا ذكر الأقاويل ولا حكاية مذاهب غيره، وهذا كله فلا تأثير له.
والجواب عن الذي قالوه من وجوه عدة:
أحدها أن أبا عبد الله إنما يجيب في وقت بالاختلاف على حسب ما تحتمله مسألة السائل، إذ كل جواباته خارجة على سؤال سائل ولم يكن جوابه بذلك ابتداءا من أجل قصد إلى تصنيف مذهب تهذيب فقال: وإيضاح وجه الإصابة عينا وإنما خرج منه ذلك على حسب ما يوجبه السؤال، وليس كذلك في الشافعي رحمه الله لأنه ابتدأ مصنفا وعلى مخالفته رادا وبالصواب عينا قاطعا ومن كانت هذه حاله كان بجوابه بالقولين مبينا عن الشبهة ما حلا والالتباس عنه ما انحلا.
جواب ثان - وهو أن أبا عبد الله لا يكاد تجد عنه مسألة فيها قولين إلا وتجده حيث يقتضي السؤال جوابا بالبيان عن الإصابة إلا ويقطع ويبين ويحتج ويرجح إذ كل مذهبه في كل مسألة أجاب فيها بالاختلاف لا يتعدى عن الذي ذكرناه، وعلى هذا عامة أصحابنا وأنهم يأبون أن يكون هذا في مذهبه موجودا باقيا فيه الالتباس، وليس كذلك قال الشافعي رحمه الله لأنه بدءا وعودا مع القولين والثلاثة والأربعة معلق حتى إنهم قالوا في المسألة ستة أقاويل وثمانية أقاويل وما يزيد على ذلك، ومن كان هذا وصف مذهبه عند عامة أصحابه بطل أن يشبه من جوابه شيء في تضاعيف جوابه.