تأنيب، إذ كل جواب قد أثبت القضاء فيه وأخبر عن الحكم به، فإذا ثبت هذا كان الواجب علينا أن ننسب إليه كل ما نقل عنه حتما. فإن قيل: فإيش الفرق بين هذا وبين أن ننقل عنه إن قال فيهما قولين؟
فالجواب أن هذا فاسد، وذلك أن يوافي بقولين متضادين في حالة واحدة استحلال أن يكون منه إصابة فيه أذكره من الاختلاف إذ الشيء لا يكون في حالة واحدة حلالا حراما، فإذا كان القولان معا لا يثبتان الحكم ولا يؤديان نقص الحق بعد الأخذ بطل أن ينسب إليه منها قولا حتما وليس كذلك إذا كانت الفتوى في زمانين متفرقين، إذ كل جواب في نفس الإجابة حق وحتم، لا ارتياب فيه، وقد قررنا أن الفتوى إنما تكون من حيث الذي قد ثبت وقد يكون عنده في بدايته جواب دليل يقضي به لا يصيب غيره، فإذا كان في وقت ثان وصل إليه دليل غير الأول وجب بذلك الانتقال وليس هذا إلا بمثابة شاهد للأصول قد يفتي الفقيه في حادثة بدليل في الحال ويظهر له بعد ذلك دليل ثان غير حقيقة الأمر فيجب عليه الانتقال، وليس هذا موجودا في جوابه بالقولين معا لأنه غير قاطع بشيء حتما لا في عاجل أمره ولا عند مآله، فإذا ثبت هذا بان الفرق وبالله التوفيق.
فصل: سؤال مع أصحاب الشافعي وغيرهم إن قالوا: خبرونا عن مذهبه أحمد إذا كانت الأجوبة والروايتين والثلاثة وكل رواية لصاحبها معارضة هذه محلة والأخرى حاظرة بما عليه تقطعون وإليه فيهما تنسبون وأنتم على ذلك غير عابرين ولا إليه واصلون ولا عندكم عنه نص تأزرون في ردكم واحدا، ونسبتكم إليه واحدا. قالوا: وقد ثبت أيضا أنه إذا قال في وقت قولا وقال في وقت آخر ضدا به إنا على يقين من الخطأ في أحد جوابيه فإذا ثبت اليقين في أحد جوابيه اعتمد عليه وترك ما أفتى. وحمله هذا فلا وجه له والدليل على صحة أصل الروايتين ظاهر ومغني: فالظاهر كتاب وسنة، فالكتاب قوله:{وإن أحكم بينهم بما أنزل الله}.ثم بين له أن يتبع القرآن