منفردا من غير استناد إلى وجود حاصل، أو سابق، أو مترقب، أو مقدر، فمن علم عدم ما بين يديه فقد استند علمه بالنفي إلى وجود حاصل، حاضر، وكذلك من علم عدم أعاله بالأمس، أو عدم أفعاله بالغد، أو عدم صعوده إلى السماء، فقد علم نفيا مستندا إلى وجود حاصل، أو سيحصل، أو يقدر حصوله، وإن كان لا يحصل، ومن علم بامتناع اجتماع الضدين فعلمه بامتناع اجتماع الضدين، فعلمه بانتفاء الاجتماع مستند لوجود الضدين، وكذلك علمه بنفي إله آخر مع الله سبحانه، مستند إلى العلم بالله سبحانه، فكان العلم بالعدم لابد من استناده إلى موجود، والموجود شيء، فلهذا استخف القفال ذكر الشيء في حده.
وعندي له عذر آخر، وهو أولى من هذا، لأن تقدير الوجود، ليس بشيء ولا موجود، لكن قد قال قوم بتسمية المعدوم شيئا اتباعا للغة، لا ذهابا إلى أن هذه التسمية تفيد إثبات ذات، أو عين، كما تقول المعتزلة وإذا رجع المخالف معنى في هذا إلى المحاكمة إلى اللغة هان الخطب، وسهل الخلاف، وانحصر النظر إلى قوله تعالى:(وكل شيء فعلوه في الزبر) فسمى العدم شيئا إلى غير [ذلك] من الآيات المطابقة لهذه الآية، وإذا سلم تسمية المعدوم شيئا في اللغة صار كالمعلوم في صحة الحد به.
والذي يميل إليه القاضي بعد تردد أن العدم المطلق يعلم، كما يعلم الوجود المطلق، ولا أحد يمكنه المكابرة في صحة العلم بالوجود المطلق، فليكن كذلك العدم المطلق.
والأظهر من كلام أبي المعالي القطع بالمذهب الذي صار إليه القاضي، فإن اشترطنا الإسناد في هذا العلم، فلابد من إثبات معلومين متلازمين، عدم ووجود، ويستند العدم إليه.
فأما المعتزلة فنقضت حدودهم بنواقض منها الاقتصار على ذكر الشيء، وقد بيناه. ومنها أن الحد في الصفة يسري إلى الحد في الموصوف، فمقتضى حدهم أن يكون الباري سبحانه معتقدا إما قولا مطلقا، أو قولا مقيدا بأحد قيديهم، المتقدم ذكرهما، وهم ينفصلون عن هذا بأن الباري سبحانه لا علم له، وهم إنما حددوا العلم فإنما يلزمهم أن يكون كل (...) معتقدا إما مطلقا، أو مقيدا، على ما قالوه، وطعن في حدهم أيضا بأن قال تسمية العلم اعتقادا مجاز، لأجل استحالة الربط (...) حقيقة، وهذا قد لا يلزمهم، لأن