بالعقل كحقائق الموجودات، واستحالة المستحيلات، وجواز الجائزات. وهذا الإطلاق تسامح فيه، وقد يوجد من حقائق الموجودات، وجواز الجائزات ما لا ينفرد العقل به كما قال، بل يشترك فيه العقل والسمع، وقد مثل هو في المشترك جواز رؤية الله سبحانه كما مثل بها القاضي أبو بكر بن الطيب قبله.
فهذا واحد من الجائزات لم ينفرد العقل به، بل اشترك في ذلك هو والسمع، ولما أحس أبو المعالي بما تسامح به في إطلاقه ما حكيناه عنه، تلافى ذلك برمز خفي إليه حتى يمنع القادح من الاعتراض عليه، فقال: وأما القسم المشترك، وبذكره ينضبط ما تقدم.
فأنت تراه كيف أشار إلى أن القسم الأول وهو قوله: جواز الجائزات استدراك يستثنيه من الإطلاق، ومن وقف على عدة جواز الرؤية من قبيل المشترك. وأما تمثيله في السمعيات فإنه العلم بوقوع الجائزات أو انتفائها، فهذا الإطلاق صحيح لا يحتاج فيه إلى التفات إلى القسم الثالث المشترك، فالأحكام الشرعية كلها حظ العقل إجازة ورودها، أو انتفاء ورودها، وحظ اسمع ورود هذا الجائز ووقعه، وكذلك الإخبار عن المعاد، فإن الإنسان وجوده معلوم حسا، وحدثه معلوم عقلا، ثم العقل يجوز عدمه أو بقاءه إلى غير آخر، فبالسمع علم وقوع هذا الجائز من عدمه، ثم إذا وقع فالعقل يجوز أن يعاد أو لا يعاد، ثم الشرع أعلم أنه يعاد، ثم العقل يجوز في هذا المعاد أن يعاقب أو يثاب، أو لا يعاقب ولا يثاب، فأعلم الشرع أن لابد من أحدهما، هكذا إلى بقية الحشر والنشر، وغير ذلك مما لا ينحصر كثرة، وبالله التوفيق.
[فصل في مجاري العقول]
هذا باب أطال فيه أبو المعالي القول حتى خرج من فن إلى فن، ولباب ما أورده في هذا الباب سبع نكت: