من الراوي. وستقف على تحقيق هذه المرامي وإيضاح هذه المعاني في كتاب التأويلات إن شاء الله تعالى.
[فصل في تخصيص العموم بالعادة]
اعلم أن المعتمد في هذا ما كنا أشرنا إليه مرارا من الموازنة بين طوارق الظنون إذا تعارضت، فما كان أرجح ويفيد ظنا أقوى من ظن الطريق الآخر قدم، فإذا تقرر هذا فالعادة على قسمين: عادة فعلية، وعادة قولية.
فأما العادة الفعلية فلا تخصص بها العموم، مثال ذلك قوله عليه السلام:"إذا وقع الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبع مرات"، وقد اختلف المذهب في هذا الحديث، هل يحمل على إناء فيه طعام؟ فقيل: إنما يحمل ذلك على الماء، لأنه غالب ما كان يوجد في آنيتهم، وإلا فالطعام أعز وجودا عندهم في زمانهم، من أن تصل الكلاب إليه، فيخصص العموم بهذه العادة، وكأنها عادة فعلية، لأن هذا إنما يرجع إلى أفعالهم، وهو ترك أواني المياه والكلاب دون أواني الطعام.
وقيل: بل يغسل سبعا وإن كان ولغ في طعام أخذا بعموم هذا الحديث، ولا يخص العموم بمثل هذه العادة، وهذا الخلاف المذكور في المذهب المذكور، والتعليل المشار إليه يشير إلى إثبات الخلاف في هذا القسم.
وأما العادة القولية فمثل أني يكون الكلب في اللغة اسما لهذا الكلب النابح ولغيره من السبع، ولكن تعارف المخاطبون على قصر هذه التسمية على النابح خاصة، وإنما يجري على ألسنتهم هذا الاسم غالبا في النابح دون ما سواه.
وكذلك إذا "نهى عليه السلام عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل"، فقال الشافعي: يشرط التماثل في سائر الأطعمة، وإن لم يكن معنا به كما قال مالك، ولا مكيلة أو موزونة كما قال أبو حنيفة، أخذا بعموم هذا الحديث. وقال له من خالفه: اعتادت الصحابة اسم الطعام إلا على البر، فيحمل خطاب النبي عليه السلام عليه، فهذا مثال ما نحن فيه من هذا التقسيم.