قد علم أن من الألفاظ ما لا يفيد، وذلك لفساد نظم حروف الكلمة، كقولك: ديز، في مقلوب زيد، ولفساد نظم الكلم وإن كانت مفردات الكلم (ص ١٢٩) عربية، كقولك: التي جاء من. ومنها ما يفيد كما تقدم بيانه في بابه.
ثم الكلام الذي تنطلق به العرب في معرض الإفادة لكل نوع من أنواع إفادته عبارة، قصد أهل الأصول أن يميزوا بها بين الأنواع، فمن ذلك: النص، والظاهر، والمجمل، والمفصل، والخصوص، والعموم، ومفهوم الخطاب، ودليل الخطاب، والمحكم، والمتشابه، والمطلق، والمقيد، لكل هذه الأنواع باب يذكر فيه.
فأما النص فمعناه في اللغة الظهور، يقال: نص في السير إذا ظهر فيه، ومنه ما جاء في الحديث أنه عليه السلام "كان يسير العنق، فإذا وجد فرجة نص"، ومعنى نص: ظهر في السير، ومنه سمي كرسي العروس منصة، لأنها تجلى عليه لتظهر على أعين النساء أو الزوج، وقال امرؤ القيس:
وجيد كجيد الريم ليس بفاحش ... إذا هي نصته ولا بمعطل
وقال غيلان:
إذا أودعته صفصفا أو صريمة ... تخت ونصت جيدها للمناظر
يصف الظبية إذا تركت ولدها بمكان، وتشوفت ومدت عنقها تنظر هل من صائد تخافه عليه إذا أسلمته.
وهو عند الأصوليين: اللفظ الكاشف لمعناه الذي يفهم المراد به من غير احتمال، بل من نفس اللفظ.
وهكذا حده بعضهم، فإن اللفظ الكاشف للمعنى بنفسه، وبعضهم يذكر هذا المعنى بطريقة أخرى في العبارة فيقول: ما يفهم المراد منه على وجه لا احتمال فيه.
وهو عزيز وجوده في الألفاظ، لا تكاد تجد لفظة عارية من الاحتمال، وأخذ الأصوليون في عد ما وقع منه في الشرع فلم يجدوا إلا نزرا يسيرا، كقوله تعالى:(الله أحد)، وكقوله [تعالى]: (محمد رسول الله)، وقوله عليه السلام لأبي بردة في الأضحية: