قد مضى الكلام في تقسيم الأخبار إلى التواتر والآحاد، ومضى الحكم على مقتضى أخبار الآحاد من ظنون أو إعمال، وذكر أبو المعالي أن الذي يبقى بعد هذا أربعة فصول: أحدها القول في صفة الرواة، والثاني: الإرسال والإسناد، والثالث: في كيفية التحمل، والرابع في كيفية الرواية.
فأما الفصل الأول وهو الكلام في صفة الرواة فاعلم أن الاتفاق قد حصل على أنه لم يجب قبول كل خبر على الإطلاق، كما لا يجب رد كل خبر على الإطلاق، فلابد من فاصل يفصل بين ما يرد وما يقبل، والأصل الجامع لما نحن فيه أن المطلوب الثقة بالخبر المسموع وسكون النفس، وهذا لا يوجد في كل خبر، كما لا يقال: إنه يعري منه كل خبر.
وأما تفصيل هذا القول الجامع فإن مالكا رضي الله عنه قد روى عنه معنى أنه قال: لا يؤخذ الخبر من أربعة، ويؤخذ ممن سواهم: سفيه معلن بالسفه، وصاحب بدعة يدعو إلى ضلالته، ومن يعرف بالكذب على الناس، وإن كان يصدق في حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كان لا يعلم هذا الشأن ولقد أدركت بين هذه الأساطين سبعين رجلا لو اؤتمن أحدهم على بيت مال لأدى أمانته، فما أخذت عن أحد منهم حرفا، فقيل له: ولم ذلك؟ قال: لأنهم لم يكونوا يعرفون هذا الشأن.
وهكذا ذكر عن الشافعي أنه تعرض لتفصيل هذا أيضا، فذكر الثقة والأمانة، وعلم ما يروي، والضبط له، إلى غير ذلك مما ذكره مما في معنى هذا.
وأما الأصوليون فإنهم ذكرا ما ذكره أبو المعالي من اشتراط العقل، والبلوغ، والعدالة، ولكن بعضهم أسقط ذكر اشتراط العقل هاهنا ورآه من الكلام الفارغ، لأن العدالة لا تحصل إلى بعد حصول العقل، فذكرها يتضمن كون الراوي عاقلا. كما لا يحسن أن يشترط كونه حيا لأجل العلم بأن وصفنا إياه راويا يتضمن كونه حيا، وهذا سلكه القاضي أبو محمد عبد الوهاب في الانتقاد على هؤلاء في اشتراطهم العقل هاهنا، وما أرى الأمر ينتهي إلى ما أشار إليه من كون هذا الكلام فارغا، لأنا قد نعرف رجلا بالعدالة فيتغير ميزه، ويفسد عقله في حال، فيتحدث حينئذ ويروي رواية، فإنا لا نقبلها منه، وإن كان موصوفا حينئذ بأنه عدل.
ولا شك أن إطلاق هذه التسمية عليه حينئذ وإن كان ينظر فيها من جهة أخرى، هل إطلاقها عليه حقيقة أو على جهة المجاز؟ بمعنى أنه كان قبل فساد عقله عدلا، والأمر في