فاعلم أن أبا المعالي ذكر عن أئمتنا أن طرق العلوم النظرية أربعة أنواع أحدهما السبر والتقسيم، والثاني رد الغائب إلى الشاهد، والثالث إنتاج المقدمات النتائج، والرابع الاستدلال بما اتفق عليه على ما اختلف فيه، وباح في هذا الباب بأمور صعاب هدم بها على الأئمة قواعدهم، وزيف فوائدهم، ونحن نبين ما عليه في ذلك وعليهم، ونضايقه حتى نرده عليهم، بعد أن نشير إلى ما تساهل فيه في النقل عنهم، وذلك أنه ذكر عن أئمتنا حصر الأدلة العقلية في أربعة أقسام.
والمقدم في هؤلاء الأئمة المشار إليهم القاضي أبو بكر بن الطيب ئة، وهو قد أشار في كتاب التمهيد الذي هو أشهر كتبه إلى الإضراب عن حصر هذه الأقسام، فقال في باب الاستدلال: إن قال قائل على كم وجه ينقسم الاستدلال؟
قيل له على أوجه يكثر تعدادها، وأخذ في عد أنواع منها، فذكر السبر والتقسيم، وذكر رد الغائب إلى الشاهد، وذكر الاستدلال على صحة الشيء بصحة مثله، واستحالته باستحالة مثله، فهذه الأنواع التي نص عليها في طرق العقليات، فأنت تراه كيف افتتح كلامه بأنه يكثر تعداد هذه الأقسام، خلاف ما أشار إليه أبو المعالي من الحصر في أربعة أقسام.
ثم زيف أبو المعالي ما قاله الأئمة من عد السبر والتقسيم من أنواع الأدلة، وأشار إلى أن كثيرًا منهم يستعمله المتكلمون، وهو غير منحصر قطعا، لكن ما انحصر منه، وتردد بين النفي والإثبات قد ينهض ركنا من أركان النظر، فأما عبارته هاهنا عنه بأنه قد ينهض ركنا من أركان النظر فقد أحسن فيه، لأن القاضي تعقب عليه عده السبر والتقسيم إن أنواع الاستدلال، وقيل نفس التقسيم لا يثمر علما بالمطلوب، وإنما المثمر العلم الدليل المصحح لأحد القسمين، أو المبطل لها، فإنما التقسيم محل للدليل، أو ركن من أركانه، وإنما يكون ركنا فيما قام الدليل فيه على أحد القسمين، دون التقسيم الذي لا يناسب الاستدلال، وإن كان نفيا وإثبات، كقوللنا: لابد أن يكون خلق الله ملكا أو لم يخلقه، ولا معنى لتعقب كلام القاضي بمثل هذا الذي أشار إليه، لأنه أجل قدرا أن يهجس بباله كون مجرد التقسيم دليلا، لكنه تجوز في العبارة.
وأما الوجه الذي زيفه أبو المعالي من الاعتماد على التقاسيم الغير حاصرة، مثل أن يقول المستدل: إنما جازت رؤية المرئي لوجوده، لأنه لا يصح أن يكون إنما صحت رؤيته لكونه جوهرا أو عرضا، أو محدثا، ويذكر ما يحـ[ـتمله] من الأقسام ويفسدها حتى لا يبقى