التصديق مستندا إلى تحسين الظن بالعدول، وبدارا إلى القبول من جملة السنن، وانقيادا إليهم، فلا وجه للقطع.
وقد رأيت ابن فورك في صدر كتاب مشكله الذي صنفه في الحديث أشار إلى غثبات هذا القسم قسما ثالثا، وصرف العبارة إلى كل خبر يعلم صدقه بالنظر، ويكون العلم الواقع عن ذلك الخبر علما مكتسبا نظريا. وقد يمثل في هذا الصنف بمثال يسلمه القاضي، وهو رواية أحد الصحابة أنه كان في غزاة كذا مع النبي صلى الله عليه وسلم "فرآه يتوضأ والماء ينبع من بين اصابعه"، ويتوضا الناس، وأشار إليهم ولم ينكر عليه أحد ما قال، بل يطابق الخلق والجم الغفير على السكوت عن الإنكار عليه، فإن ذلك يستدل به على صحة خبره، وهذا مبسوط في كتب الأصول في الكلام في معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم.
[فصل في الخبر المتواتر]
القول في هذا من ثلاثة أوجه:
- أحدها: هل يقع العلم عن الخبر المتواتر أم لا؟
- والثاني: كيفية وقوعه.
- والثالث: شرط وقوعه.
فأما وقوع العلم عنه فجميع أصحاب المقالات على اختلاف طرقهم مجموعون على وقوع العلم عنه، سوى طائفة تعرف بالسمنية، فإنهم أنكروا وقوع العلم عن الخبر المتواتر، وجمهور المصنفين الناقلين مذهبهم هذا يشيرون إلى أنهم مخالفون في ذلك لفظا ومعنى.
وأبو المعالي يشير إلى تسهيل أمر مخالفتهم في هذا، أو يرى أنهم ينكرون وقوع العلم به على الجملة، لكنهم لم يضيفوا وقوعه إلى مجرد الأخبار، بل إلى قرائن تضام الأخبار، ووقوع العلم عن القرائن لا ينكره عاقل، كالعلم الواقع بخجل الخجل، ووجل الوجل، وقد رد المصنفون الحاملون خلافهم على المخالفة في أصل وقوع العلم مذهبهم، فإن الإنسان يعرف أمه التي ولدته، ولا طريق له إلى معرفتها إلا الخبر المتكاثر بأنها ولدته، فإن جحد جاحد معرفة أمه سقطت مكالمته، وإن أقر بها سلم إفادة الخبر المتواتر وقوع العلم. وهكذا يضرب في هذا مثالا بمعرفة مكة وبغداد، ولا يظن أن هذه محاجة لهؤلاء، لأن النظريات فروع للضروريات، ومن جحد الضورية فلا سبيل إلى مخاطبته بالمعاني النظرية، وإنما نورد مثل هذا تشنيعا عليهم، وإيضاحا لقبح مذهبهم.
وأما الوجه الثاني وهو كيفية وقوع العلم [به] فإنه ينظر فيه من نحوين مختلفين: