"تجزيك ولا تجزي عن أحد بعدك"، وقوله:"واغد يا أنيس على امرأة الآخرة، فإن اعترفت فارجمها".
وقد أنكر أبو المعالي على هؤلاء ما قالوه، وزعم أن الغرض تحصيل المعنى على وجه لا احتمال فيه، فالاحتمال قد ينتفي بالقرائن الحالية والمقالية، وهذا يكثر وجوده. وما أنصف فيما تعقب عليهم، لأن قصدهم عزة وجوده من ناحية لفظه، وهو قد سلم عزته من ناحية الألفاظ، نعم حتى نازعهم فيما تمثلوا به من النصوص، وزعم أن آية التوحيد إنما انتفت عنها وجوه الاحتمال بالأدلة العقلية لا من جهة صيغة لفظنا.
وذكر أبو المعالي حدين متقاربين فقال: قد قيل: هو لفظ مفيد لا يتطرق إليه التأويل، وقيل: هو لفظ استوى ظاهره وباطنه.
وعندي أن هؤلاء إنما قيدوا بالإفادة، لأن ما لا يفيد من كلام المجانين لا يتطرق إليه التأويل، ويستوي ظاهره وباطنه، وعبارة هؤلاء باستواء ظاهره وباطنه إشارة منهم إلى قول الآخرين: لا يتطرق إليه تأويل. وهكذا رأيت بعضهم حده: ما تأويله تنزيله، وما ظاهره باطنه. وقد فهم الغرض، وجميع ما أوردناه تحويم عليه.
وذكر أبو المعالي أن بعض المتكلمين اعترضوا على ما ذكره من هذين الحدين بفحوى الخطاب، إنها تقع نصا، وإن لم يكن معناها مصرحا به لفظا. واتصل هذا الاعتراض بأن الفحوى لا استقلال لها، وإنما هي معنى متلقى من لفظ مخصوص على نظام معلوم، كقوله في سياق أمره بر الوالدين:(ولا تقل لهما أف)، فالفحوى آيلة إلى معاني الألفاظ، فلم يصح الاعتراض.
وقد حده بعضهم بأنه: اللفظ الدال على الحكم بصريحه على وجه لا احتمال فيه. ولعل هذا ذكر الصريح احترازا من الاعتراض بفحوى الخطاب.
[فصل في الظاهر]
وأما الظاهر، فإن الظهور معقول معناه، وقد أشار الشافعي والقاضي ابن الطيب طردا لمعناه المعقول إلى أن النص يسمى ظاهرا، وما أبعدا فيما قالا، لأن النص قد ذكرنا أن