وبعد هذا الفصل فصل آخر، ذكره أبو المعالي اشتمل على حكم الاستثناء من غير الجنس، ونحن قد تكلما عليه مضافا إلى غيره من أقسام الاستثناء في باب قبل هذا.
[فصل في حقيقة التخصيص]
وقد قدمنا حيث تكلمنا على العموم حقيقة الخاص والعام، وقد ذكر أبو المعالي هاهنا أن التخصيص: إفراد الشيء بالذكر، واللفظ الخاص: هو الذي ينبي على أمر يجوز إدراجه مع غيره تحت لفظ [آخر].
وقد كنا نحن بسطنا هذه المعاني فلا معنى لإعادتها هاهنا، ومن هناك يعرف ما لا يكون إلا عاما، كمعلوم ومذكور، وما لا يكون إلا خاصا كأنا، وأنت، وما يكون عاما من جهة لارتفاعه عن الخاص لاذي لا خاص تحته، وخاصا من جهة انخفاضه عن العام الذي لا عام فوقه، كقولنا: موجود، والاثنان، عامان من حيث ارتفعا عن الواحد، خاصان من حيث تقاصرا عن الثلاثة فما زاد.
والغرض من هذا الباب الفرق بين التخصيص والاستثناء، ولكن يحتاج ذكر الفرق المقصود هاهنا إلى مقدمة نقدمها، وهي أن التخصيص حقيقة بيان ما أريد باللفظ مما قد يحتمله اللفظ، وهذه الحقيقة تمنع من طريانه على النصوص، إذ النص ما لا احتمال فيه، ويوجب اختصاص التخصيص بما فيه احتمال من الظواهر.
وبين الأصوليين خلاف في الاستثناء من عدد معلوم، هل يكون الاستثناء كقرينة غيرت حكم الصيغة، أو تكون كقرينة لم تغير وضع الصيغة، وإنما كشفت عن المراد بها، فمن رأى أسماء الأعداد كالنصوص التي لا تحتمل سوى ما يفهم منها جعل الاستثناء قرينة مقالية غيرت حكم الصيغة في دلالتها، ورأى الاستثناء والمستثنى منه كالكلمة الواحدة الدالة على عدد ما، ويكون الاستثناء كجزء من أجزاء هذه الكلمة، فمجموع الاستثناء والمستثنى منه هو الدال على العدد المبقى، ويرى هذا ألا فرق بين قول القائل: تسعة، وبين قوله: عشرة إلا واحد، فإن قوله تسعة يدل على مخصوص، ولكن الكلمة تركبت من حروف أربعة، لو ذهبت منها أحد أجزائها الأصلية، وهو حرف العين مثلا، بقى ما بقى من الحروف غير دال، فكذلك قوله: عشرة إلا واحد، يجري هذا المجرى في كون الكلمتين: الاستثناء والمستثنى منه دالا على التسعة، وصار قوله: إلا واحدا كأحد حروف التسعة، ولا (ص ١٢٥) يتصور أن هذا كالبيان عن المراد بقوله عشرة، فإنه إن قال: عشرة واقتصر على