الكلام في مقدمته منثلاثة أوجه:- الكلام في التسمية، وفي الحد، وفي الاعتراض عليها.
فأما التسمية فقد علم فيما تقدم مذهبنا في إثبات كلام النفس، ووسعنا الكلام في ذلك بيننا وبين المعتزلة والفلاسفة، وذكرنا ما يقال لكل مذهب وعليه، وأشرنا إلى الاختلاف في تسمية الكلام الصوتي كلاما، هل ذلك حقيقة أو مجاز، فكذلك يختلف أئمتنا في تسمية الخبر الصوتي خبرا؛ هل يسمى بذلك حقيقة أو مجازا؟ مع اتفاقهم على أن ما في النفس من الكلام يسمى كلاما وخبرا حقيقة، ومع اتفاقهم على أن العبارة عما في النفس بإشارة إن سميت كلاما وخبرا فذلك مجاز وليس بحقيقة، فمن سئل عن شيء: هل كان؟ فإنه يقدم في نفسه وضميره خبرا عنه بأنه كان أو لم يكن، فهذا المقدم في النفس يسمى خبرا حقيقة، فإن نطق بلسانه بقد كان، أو قال لم يكن، فإن هذا يسمى خبرا، وهل يسمى بذلك حقيقة أو مجازا؟ فيه اختلاف. وإن أشار بيده أو برأسه خافضا رأسه، ليفهم منه أنه لم يكن، فإن سمي هذا خبرا فإنما ذلك مجاز. هذا الكلام في الوجه الأول.
وأما الوجه الثاني وهو الحد فإن المشهور في حده أنه ما دخله الصدق والكذب، وسائر أنواع الكلام من الأمر، والنهي، والاستخبار، والترجي، والتمني، وغير ذلك من أنواع الكلام لا يدخلها صدق ولا كذب، وإنما يختص بالصدق والكذب نوع من أنواع الكلام، وهو الخبر، فحد بما ذكرناه.
وقد أصلح القاضي هذا الحد بأن زاد فيه: ما يدخله الصدق أو الكذب، فأتى بحرف "أو" بدلا من "الواو"، لأنه اعتقد أن الحد بالواو يوهم اجتماع الصدق والكذب في خبر واحد، حتى يقول القائل: قام زيد، دخل خبره الصدق والكذب معا. وهذا محال، فعدل عنه إلى أن قال: ما دخله الصدق أو الكذب، ليخلص بحرف "أو" من هذا الاعتراض.
وقد دوفع عن اعتراضه من وجهين:
- أحدهما: إبطال ما تصور.
- والثاني: عكس اعتراضه عليه.
فأما إبطال ما تصور، فإنه إنما فصل الحادون بحرف الواو، حد جنس الخبر كله، لا