حد خبر بعينه. ومعلوم أن الأخبار بأسرها ما كان منها وما سيكون، بعضها صدق، وبعضها كذب، فالتعرض للجنس لا لواحد بعينه، يدفع الاعتراض للعلم بدخول الصدق والكذب معا في جملة الأخبار على الجملة.
وهذا عندي انفصال منهم لا يشفي، لأن الحاد لجملة الشيء من حق حده أن يتصور حقيقته في كل واحد من آحاد المحدود، ألا ترى أنا إذا حددنا الحركة بالانتقال، فلابد أن تكون كل حركة على حيالها انتقالا، فكذلك يجب أن يكون كل خبر على حياله يدخله الصدق والكذب، وإذا وجب هذا فيه، تصور على الحد الإبهام الذي قاله القاضي.
وأما العكس، فإنه قيل له: ولو أثبت حرف "أو" لم يسلم حدك من الاعتراض، لأنه يوهم أيضا أن كل خبر على حياله يوهم دخول الكذب فيه بدلا من الصدق، والصدق بدلا من الكذب، على مقتضى حرف، ونحن نعلم أن من قال مناة إني إنسان، فإن خبره صدق ولا يمكن دخول الكذب فيه، ومن قال: ما أنا إنسان، فإن خبره كذب لا يمكن دخول الصدق فيه، فقد صار هذا الحد بعد إصلاحه (ص ١٨٨) غير متخلص من الإيهام لمحال أيضا.
وقد أشار القاضي أبو محمد عبد الوهاب إلى اختيار حد جار على هذا الأسلوب مشعر بدفع هذا العكس، بأن يعترض لدفع الصيغة، وحده بأنه: ما احتملت صيغته الصدق أو الكذب. وقال: إن هذه الأخبار المعلوم صدقها من صدق الرسول الذي يستحيل كونها كذبا صيغتها محتملة من ناحية اللسان، ومقتضى وضعها للصدق والكذب، وتعين أحدهما من ناحية العقول لا يرفع [أن] مجرد الصيغة محتملة لهذا.
والنظر معه في هذا الذي قال يطول، وقد عدل بعضهم على سائر المسالك بأن قال: الخبر ما لا يخلو إما أن يكون صدقا أو كذبا، وكل خبر على حياله يتصور فيه حقيقة هذا الحد. وقد يعترض على هذا أيضا بأن من الأخبار ما لا يخلو عن الصدق والكذب جميعا على رأي قوم، وهو الخبر الذي لم يتعمد من أخبر به الخلف، ولكنه غلط في اعتقاد، كمن اعتقد أن زيدا في الدار، فقال: زيد في الدار، فإن لم يكن في الدار، فإنه لا يوصف خبره بأنه صدق لأن خبره لم يطابق مخبره، ولا بكونه كذبا لأن الكذب عند هؤلاء: الإخبار عن الأمر بخلاف ما هو عليه مع القصد إلى ذلك، وهذا الغالط غير قاصد للخلف.
وهذا إنما يقدح به على أصل من ذهب إلى هذا، ورأى أن الكذب يتضمن الذم واللوم، والغالط هاهنا غير مذموم ولا ملوم، ونحن نبطل هذا الأصل، ونرى أن هذا كاذب