فأما الكشف عن العبارات في هذا فاعلم أن المستعمل في هذا الباب عبارات منها:
مفهوم الخطاب، وفحوى الخطاب، ولحن الخطاب، ودليل الخطاب. والظاهر أن معاني هذه الألفاظ متقاربة من جهة اللغة، وذلك أن الألفاظ كظروف حاملة للمعاني، والمعاني المستفادة منها تارة تستفاد من ناحية النطق والتصريح، وتارة تستفاد من ناحية التعريض والتلويح.
فالمستفاد من ناحية النطق يسمى نصا، ومنه ما يسمى ظاهرا، وقد مضى الكلام عليهما، وعددنا هناك قسما ثالثا وهو المجمل ولم نعده هاهنا، لأجل أنا إنما نَعُد ما يفيد، والمجمل ما لا يفيد.
وأما المستفاد من التلويح وهو مسكوت عنه، فإنه لا شك في كونه فهم من الخطاب، واستدل عليه بالخطاب، فحسن تسميته مفهوم الخطاب، ودليل الخطاب، فهذا النحو يسلك في الفحوى واللحن، وقد قال تعالى:(ولتعرفنهم في لحن القول).
واختلف طرائق الأصوليين في الاصطلاح على العبارة عن أنواع ما يفهم من الكلام، فمنهم من يرى أن المفهوم اسم لجنس ما يفهم من الكلام من غير ناحية نطقه، ولكن هذا الجنس أنواع:
فمن المفهوم ما يدل على أن المسكوت عنه موافق لحكم النطق من جهة التنبيه بالنطق على ما هو أولى.
ومنه ما يدل على [أن] المسكوت عنه مخالف للمنطوق به في الحكم، فما كان من المسكوت عنه مواقا للمنطوق به سمى فحوى، وما كان مخالفا للمنطوق به سمى دليلا.
فالموافق كقوله تعالى:(ولا تقل لها أف)، فإن ضرب الوالدين وقتلهما مسكوت عنه، ولكن حكمه التحريم، وهو منهي عنه، واستفيد ذلك من النهي كما نطق به، وهو التأفيف.