السائل. وهذا الذي احتج [به] إنما يكون حجة في تقرير الحديث عند فراغ السماع، وأما كونه دليلا على أحاديث الإجازة، فإنه لا يتحقق، ولا يستقل بمجرد ما قال، دون أن يبسط البسط الذي قدمناه.
وذكر أبو المعالي في هذا الباب مسألة هي كالخارجة عما نحن فيه من الكلام على تحمل الراوية، لكنه ألحقها بالباب لانخراطها في سلكه. والحاجة إليها ماسة، فإن كثيرا من الفقهاء والمفتين والمصنفين في مسائل الخلاف وطرق الحجاج، تقل روايتهم للحديث لاشتغالهم عنه بما هم فيه من درس كتب الفقه، وتحفظ مقالات الفقهاء، ولكنهم يحتجون بأحاديث ويعلمون بها، وإنما معتمدهم فيها الإحالة على الدواوين الصحيحة، فإذا احتاج فقيه إلى الوقوف [على حديث] قرأه في الموطأ أو البخاري أو مسلم، ولا رواية له في شيء من هذه الكتب، فإنه إذا بحث عن الحديث ووقف عليه في شيء من هذه الدواوين في أمهات صحاح ضطبها الثقات لما قرأها على الأئمة حتى تحقق عنده أن هذا مما أدخله البخاري في كتابه على صفة ما رآه، فإنه يعمل به لحصول الثقة له بأنه مسند عن النبي عليه السلام من طريق صحيح، وإذا أخبر بهذا الحديث غيره لزمه أيضا أن يعمل به، ولكنه مع هذا لا يروي ما رأى، إذ لا رواية له فيه، فإن رواه كذب، وأما العمل به وإن كان لا يرويه، فلأن ثقته به كثقته بحديث حدث به عدل عن عدل عن النبي عليه السلام.
واعتمد أبو المعالي في وجوب العمل بمثل هذا على أن كتب النبي صلى الله عليه وسلم كانت ترد إلى جهات فيعمل بها من أرسلت إليه، ويعمل بها من رآها عنده، وإن لم ترسل إليه، لأجل حصول الثقة له بأنه أمر النبي عليه السلام ونهيه. وهذا الذي ذكره أبو المعالي يفتقر عندي إلى الإحالة على مطالعة ما تقدم من جواز التعويل على خطوط وقف عليها على حسب ما كنا قدمنا بسطه قبل هذا لما تكلمنا على بحث الطالب عن مسموعات شيخه، ولكنه ربما وقع في مثل الموطأ والبخاري بحيث يكاد يفضي بالباحث إلى القطع على أن الحديث من أحاديث الموطأ، وكذلك أحاديث البخاري وإن لم يبالغ في بحث ينتهي به إلى هذا الاعتقاد، فهاهنا يفتقر إلى الرجوع إلى النظر فيما أشرنا إليه.
[فصل في تحقيق عبارة]
اعلم أنه قد يقع من الصاحب إسناد حكم إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ نص لا احتمال فيه، كقوله:"سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا". وقد يقع منه هذا بعبارة فيها إشكال كقوله:"من السنة كذا وكذا".