ما يرد عن الظاهر إلى النادر وجب التمسك بالظاهر الغالب.
فهذا الفرق بين الواقفين في هذا البحث على ما ينبه على إجراء الصيغة على ظاهرها، وبين من يقف منتظرا بيان أحد المحتملين، فوقفه متماد إلى أن يجد أن تمس الحاجة إلى البيان، فيعمل فيه بما قلناه في باب تأخير البيان.
[فصل في التخصيص بالدليل العقلي]
هذا لا كبير طائل تحته، وإن كان قد تكلم الناس عليه واختلفوا فيه، وذلك أن الله سبحانه لما قال:(الله خالق كل شيء)، وقد علم أنه سبحانه شيء، وأنه غير مخلوق، ولا خالق نفسه، فقد صار شيء من الأشياء غير مراد [منه] باللفظ الذي وضع للاستيعاب عند المعممين وهو قوله (كل شيء)، وهذا إنما علم بدليل العقل، فقد صار الدليل العقلي خصص العموم. وهكذا إذا قال الإنسان: سألت العلماء كلهم، فمعلوم من جهة العادة أنه لم يسأل كل من في الدنيا من العلماء، وكذلك إذا قال: رأيت الناس، فمعلوم أنه (ص ١٢٧) لم ير كل إنسان في الدنيا، فهذا تخصيص بالدليل العقلي ولا يمكن النزاع فيه.
فلعل من قال: لا يخصص بالدليل العقلي، إنما نازع في تسمية هذا تخصيصا، لأجل أن التخصيص إخراج ما يتوهم دخوله في الخطاب، وإن كان المتكلم قد يريده، وهذا مما لا يمكن أن يراد، وأيضًا فإن العقل متقدم على الخطاب تقدما لا يحسن أن يقال فيه: إنه مخصص، وهذا إن كان المراد يمنع هذه التسمية، فذلك سهل لا طائل تحته.
وبالجملة فإنه قد استبين من جهة العقل المراد بهذا الخطاب، وأن المتكلم لم يرد كل ما تنطلق الصيغة عليه، فلا نكير في تسمية هذا خصوصا، واستدراك العلم بمراد المتكلم إنما حصل بعد سماع الخطاب، فلا أثر لتقدم العقل الذي وصل إلى ذلك.
[فصل في العموم إذا خص]
اعلم أن الكلام فيه من وجهين:
- أحدهما: النظر في تناوله ما بقي من مضمونه، هل هي فيه حقيقة أو مجاز.