لا طردا لذلك في كل خبر، وتعليله يشير إلى هذا، لا سيما وفي بعض الروايات:"لا ندع كتاب ربنا، وسنة نبينا"، فيمكن أن يكون سمع من النبي عليه السلام خلاف ما قالته، وإليه أشار بقوله:"وسنة نبينا". أو لعلهم علموا أن قوله تعالى:(أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) نزل عاما في كل مطلقة، مبتوتة أو رجعية، واستقر الحكم استقرار عاما، حتى يكون خبر فاطمة ناسخا، له وإن كان الأمر كذلك، فلا شك أن خبر فاطمة بنت قيس مردود، إذ لا ينسخ بأخبار الآحاد، لأن النسخ رفع النص، وقد ذكرنا أن خبر الواحد إنما قدم على العموم عند من صار إلى ذلك لأجل كونه نصا، وكون العموم محتملا، فإذا فرضنا عموما نصا، زالت العلة وقوي العموم من الجانبين جميعا، وصار قطعيا من جهة نقله ومن جهة مضمونة، فلا يوازي خبرا ظنيا فينقله، ولعل عمر رضي الله عنه أشار إلى هذا بقوله:"لا ندع كتاب ربنا".
وأشار أبو المعالي إلى الالتفات إلى ظهور الاستيعاب في العموم أو خفائه، وإلى قوة الخبر وضعفه على ما سنبين في كتاب التأويلات إن شاء الله، وهذه الطريقة التي أشار إليها ينبغي للفقيه أن لا يغفل عنها، ولا يجري هذه المذاهب التي قلنا على ظواهرها، ولا يلتزم أخذها من غير التفات إلى ما سيعلم من كتاب التأويلات إن شاء الله.
[فصل في تخصيص العموم بالقياس]
اعلم أن هذه المسألة، المذاهب فيها كالمذاهب المنقولة في التي فرغنا منها سواء بسواء: جواز التخصيص بالقياس، ومنعه، والوقف، والتفرقة بين ما خص وما لم يخص (ص ١٣٧)، والتفرقة بين التخصيص بالمتصل والمنفصل، وزيد في هذه مذهب سادس، وهو التفريق بين قياس العلة وقياس الشبه، فأجيز التخصيص بقياس العلة ومنع قياس الشبه.
وسبب الخلاف أيضًا فيها دائر على النكتة التي أريناك في هذه المسألة التي قبلها، وهي الموازنة بين العموم والقياس، للعموم القطع على أصله مع كونه محتملا من ناحية لفظه، وللقياس الاتفاق على العمل به، وتأثيم من خالف فيه، وكونه متناولا الحكم تناولا لا احتمال فيه، والموازنة بهذه الطريق سبب الخلاف على حسب ما قدمناه حرفا بحرف، فلا معنى لإعادته.
ومن فرق بين قياس الشبه وقياس العلة، فإنه رأى أن قياس الشبة أخفض رتبة واضعف من قياس العلة، فتقاصر لأجل ضعفه عن التخصيص.
والقاضي عبد الوهاب يشير إلى تصحيح القول بالتخصيص بالقياس، وإن كان قياس