اختلف الناس فيمن يعتق من الأقارب إذا ملك، فالمشهور من مذهبنا أن العتق يختص بعمودي النسب، وبالإخوة، فعمود النسب هم الآباء، والأجداد، والأمهات، والجدات، كانوا من جهة الأبوة أو الأمومة، ويعبر عنهم بالأصول، والبنون وبنوهم، ذكرانا كانوا أو إناثا، ويعبر عنهم بالفصول، لكونهم منفصلين، ويلحق الإخوة في هذا الحكم بعمودي النسب سواء كان الإخوة ذكرانا أو إناثا.
وقد روي عن مالك رضي الله عنه رواية شاذة أن العتق يختص بالأصول والفصول خاصة دون الإخوة، وبهذه الرواية قال الشافعي.
وروي عنه أيضا رواية شاذة أن العتق يختص بمن ذكرنا من عمودي النسب والإخوة، ويضاف إليهم كل ذي رحم محرم، وبهذه الرواية قال أبو حنيفة، واعتمد الذاهبون إلى هذه الرواية الثالثة على الحديث الوارد بأن "من ملك ذا رحم محرم فهو حرا".
وذكر أبو المعالي أن تأويل هذا على عمودي النسب خاصة باطل قطعا، لأجل أن الخبر ورد ببيان حكم الشرع وتأصيله، ولم يرد مطابقة لحكاية حال، ولا جوابا عن سؤال، فيحسن فيه توخي مطابقة السؤال أو الحال، مع تثقيفه هذا المقال وتقييده للإرسال بأن ذكر وصفا وهو المحرمية، قيد بها ذكر الرحم، ليشير بذلك إلى أنه كالقاصد إلى ضبط من يعتق وتحريره.
وهذا الذي ذكره أبو المعالي ليس بقرينة دالة على التعميم فلابد، والقائلون بالخصوص لا يسلمون كون مثل هذه الأمور قرائن تقتضي التعميم، كيف وقد تقدم في كتاب العموم ذكرنا ما نقل عن شيخ الواقفية عن إنكاره وجود لفظ اللسان دال على العموم، ولو سلمت الواقفية مثل هذا وزداته دلالة على العموم لكانت مسلمة لمذاهب المعممين، وأكثر ما وقع في الشرع أحكام مبتدأة، وبينات موصلة، لم يجعل ذلك أصحاب الخصوص والوقف قرينة دالة على التعميم، وكذلك التقييد ليس بقرينة أيضا عندهم، كيف وقد قدمنا إنكار جماعة من الأئمة لدليل الخطاب، ولكون الوصف والتقييد يدل على أن ما عداه بخلافه.
وإن أراد أبو المعالي أن الذاهبين للعموم ينكرون حمل مثل هذا اللفظ على عمودي النسب بمجرد الدعوى والتحكم، دون دليل يعضد دعواهم فذلك صحيح، وهو غير مسموع