وقوله للذي أسلم على خمس:"فارق واحدة". وخرج الترمذي عن فيروز الديلمي أنه أسلم على أختين فقال له عليه السلام:"اختر أيتهما شئت".
ولأصحاب أبي حنيفة تأويلات في هذا:
- منها قولهم: المراد بقوله: "أمسك أربعا" أي أمسكهن باستئناف عقد عليهن، بعد فسخ نكاح الجميع. وهذا تأويل باطل لا يسمع، لأن العبارة عن استئناف تزويج وابتداء عقد بقوله:"أمسك" بعيد لا يستعمل، لا سيما والخطاب لقوم حديثي عهد بالإسلام غير راسخين في العلم بسائر الأحكام، فلو كان هذا المراد لبينه بلفظ يسبق المراد به إلى الأفهام. وأيضا فقد قابل قوله:"أمسك" بقوله: "فارق"، وهذه المقابلة تقتضي أن يكون الإمساك ضد الفراق، ولا تحصل المضادة إلا بالتمادي على ما كان عليه من ملك العصمة. وأيضا فلو كان المراد استئناف العقد على أربع لم يكن لتخصيص أربع من هؤلاء العشرة معنى، لأن نساء العالم مثلهن في الإباحة للعقد على أربع منهن.
ومن تأويلاتهم أن المراد إمساك الأوائل. وهذا باطل، واللفظ يرده، لأن ما ذكرناه من لفظ التخيير ينافي القصر على الأوائل، لأن القصر على معينات ينافي التخيير.
ومن تأويلاتهم أن القصر على أربع لم يكن في أول الإسلام، بل كان نكاح العشر وما زاد مطلقا، وإنما حرم بعد ذلك، فمن الممكن أن يكون عقد هؤلاء الذين كانوا مشركين كان في تاريخ الإطلاق والإباحة، فلهذا لم يفسخ نكاح الجميع، لأن الفسخ إنما يجب في عقد محرم. وهذا مردود عند أبي المعالي، لأجل أن التحريم ثابت الآن، والأمور على ما هي عليه، ومن زعم أنها لم تكن على ما هي عليه الآن في القديم فعليه الدليل، وهو مدع لأمر عليه إثباته.
فإن قيل: هذا ممكن والاحتمال مما يسمع في الظواهر. قيل: ذلك تأويل لأمر محتمل عضده الدليل، وأما مجرد التجويز والإمكان فلا يسقط المعلوم من الأحكام، ولو قيل مثل هذا التجويز وأصغي إليه لبطل التمسك بمعظم ظواهر الشرع، ونحن نعلم أن الماضيين لا يلتفتون إلى مثل هذا التجويز، ولا يتركون الظواهر من أجله، كما لا يتركون الظواهر لإمكان أن تكون منسوخة. فإن نقل أن هذا كان من المباح في أول الإسلام حسنت المطالبة بكون عقد هؤلاء وقع في زمن التحريم لثبوت أمرين، تحليل وتحريم مع الشك في زمن العقد؛ هل وقع في هذه الحالة أو في هذه. لكن هذا يرد عليهم من جهة أن طريان التحريم على العقد يؤثر فيه، كما يؤثر في ابتدائه، كطريان الرضاع على المتزوجة، على ما بسط هذا في كتب الفقه (ص ١٧٠).