يصح إسقاط عدالة جميع الصحابة، لأنه لو سقطت عدالتهم جميعهم لانهدم هذا الدين، ولم نحصل نحن ولا من قبلنا على شيء منه، لأنهم رضي الله عنهم هم طريقنا إليه.
فإن قيل: أنتم وإن تأولتم فإن تأويلكم لا يرفع الشك في فعلهم، والشك في فعلهم يوجب الشك في عدالتهم. قلنا: الإجماع الذي حكيناه من استحالة القول بإسقاط عدالة الجميع، مع كون الشك في عدالة بعضهم [لا] يؤدي إلى إسقاط عدالة جميعهم، والوقف عن خبرهم حجة قاطعة في أن هذا الشك غير مؤثر، بعد أن نسلم حصول الشك في ذلك (ص ٢٢٥)، كيف ونحن إنما نتأول تأويلا في قصة، وهو الظاهر المستفاد ظهوره منها، والمستفاد ظهوره مما تقدم، وعلم عدالتهم التي شهد لهم بها رب العالمين، كيف ونحن لو شهد فينا شاهد عرفناه بالعدالة والورع، ولكن حكي لنا عنه أنه صدر منه فعل قد يريب فإنا لا نسقط عدالته بالتجويز والشك، بل نستصحب ما كنا عليه من قبول شهادته، وبهذا تعبدنا في شهدائنا مع كون أحدهم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ من أحد الصحابة، ولا نصيفه، فكيف نظن أنا نخرجهم عن العدالة بتجويز وقوعهم في معصية تقدح في العدالة هذا لا خفاء به عند محصل.
[فصل في المراسل]
الكلام في هذه المسألة من أربعة أوجه:
- أحدها: بيان معنى المرسل من الحديث.
- والثاني: نقل المذاهب فيه.
- والثالث: التنبيه على نكتة سلفت يفتقر إليها هاهنا.
- والرابع: ذكر [سبب] الخلاف فيه.
فأما الوجه الأول: فإن للمحدثين عبارات اصطلحوا عليها يديرونها بينهم في مجالسهم وكتبهم، فمن ذلك قولهم: حديث مسند، وحديث مرسل، وحديث مقطوع، وحديث موقوف، وحدي ثمتصل، إلى غير ذلك من عباراتهم.
وحاجتنا هاهنا إلى بيان المسند، والمرسل.
فأما المسند فهو حكاية كل تلميذ عن شيخه حتى ينتهي الحديث إلى صحابه، كقول مالك في موطئه: حدثني نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام. وقول سحنون: حدثني ابن القاسم عن مالك.