وأما المرسل فهو رواية التلميذ عن شيخ شيخه، كقول سحنون: قال مالك، وقول مالك: قال ابن عمر. ومعلوم أن سحنونا لم يلق مالكا، ولا مالك لقي ابن عمر. وإنما عول مالك على من حدثه عن ابن عمر، وكذلك عول سحنون على من حدثه عن مالك. وهكذا إذا قال مالك: عن نافع، عن النبي عليه السلام، أو عن عطاء عن النبي عليه السلام، أو عن ابن المسيب عن النبي عليه السلام، فهذا مرسل، لأن ابن المسيب لم ير النبي عليه السلام، ولا رآه عطاء، ولا نافع، فقد انحذف من السند رجل بين نافع وبين النبي عليه السلام. وكذلك قول مالك في موطئه: أن ابن شهاب قال: "وكان النبي عليه السلام يقول آمين"، فمعلوم أن ابن شهاب لقيه مالك وسمع منه، فخبره عنه مسند، ومعلوم أن ابن شهاب لم ير النبي عليه السلام، فمعلوم أنه إنما عول على النبي عليه السلام كان يقول آمين على خبر من أخبره عن النبي عليه السلام، فهو مرسل ما بين ابن شهاب وبين النبي عليه السلام، لأن مالكا حدثه عن ابن شهاب كالأمر المعتمد المستقر سماعه منه، وخبر ابن شهاب كأنه أمر أرسله صاحبه إرسالا، فلا ساتناد له، لأجل كتمانه ذكر ما بينه وبين النبي عليه السلام.
وإذا تصور معنى المرسل، ومعنى المسند، فإن هذه الحقيقة التي أشرنا إليها فالإرسال قد يقع من الراوي كما صورناه، بأن يحذف ذكر من روى عنه تصريحا [أ] وتلويحا، وقد يتعرض لذكره ذكرا لا يفيد، فيسمى ذلك إرسالا أيضا، كقوله: حدثني رجل عن فلا، ولا يسمى الرجل الرجل الذي حدثه، فإن ذكر هذا على الإجمال لا يفيد فائدة تزيد على قوله: قال فلان، لأن معلوم أنه إذا كان لم يلق فلانا، فإن مراده أنه حدثني بذلك رجل عنه.
وكذلك لو أضاف إلى هذا المكني عنه العدالة فقال: حدثني رجل عدل مرضي، فإن هذا يلحق بالمرسلات من الأحاديث على ما ذكره أبو المعالي، وسننبهك على باقيه.
وكذلك إضافة خبر إلى كتاب كتبه النبي عليه السلام من غير أن يذكر من حمل الكتاب ونقله، لأنه لم يذكر حامل الكتاب وناقله، صار ذلك مثل ما قلناه من قول الراوي: حدثني رجل، لم يسمه.
ويلتحق بهذا عندي ما وقع في الصحيح:"نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخمر قد حرمت"، وقوله:"نادى منادي رسول الله بإكفاء القدور التي طبخ فيها لحوم الحمر"،