وقد تكلمت على هذا في كتاب "المعلم"، لأن المنادي إذا لم يسم صار ككتاب أضيف إلى النبي عليه السلام أنه أرسله، ولم يسم حامله وناقله، وقد أشرت هنالك إلى الالتفات إلى علم المحدث عن النداء، بأن ذلك لا يخفى على النبي عليه السلام، حتى يعلم ضرورة أن النبي عليه السلام أمر به، فيحل ذلك محل سماعه الأمر منه صلى الله عليه وسلم. وهذا مستقضى في غير هذا الموضع.
وقد ذكر أبو المعالي عن الأستاذ ابن فورك أنه سمى حذف الراوي شيخه منقطعا، وسمى ذكره على الإجمال مرسلا، فإذا قال ابن المسيب: قال النبي عليه السلام، أو قال مالك: قال عمر بن الخطاب، كان هذا يسمى حديثا منقطعا، وإن قال ابن المسيب: حدثني رجل عن النبي عليه السلام، أو قال مالك: حدثني رجل عن عمر بن الخطاب سمي ذلك مرسلا.
وذكر أبو المعالي أن في كلام الشافعي إشارة إلى هذا، ونبه على أن هذا لا يتعلق بفرق معنوي، وإنما هو ذكر القاب في هذا الباب. وقد رأيت أنا مصنف ابن فورك في أصول الفقه، فأول ما افتتح به: باب القول في المراسيل، أن قال: إذا قال التابعي (ص ٢٢٦): أن النبي عليه السلام قالك كذا وكذا، فهذا معنى المراسيل، فأنت تراه كيف ذكر أن حقيقة المرسل ما حذف فيه اسم الراوي، ولم يذكر لا معينا ولا مجملا، بخلاف ما حكاه عنه أبو المعالي. ولعمري هذا اصطلاح لا فائدة في تحرير نقل المذاهب فيه إذا عرف غرض المنقول عنه.
وأما الوجه الثاني وهو نقل المذاهب في المراسيل في العمل به، فاعلم أنه لا يختلف في جواز إرسال الحديث بأنيقول مالك رضي الله عنه: بلغني أن النبي عليه السلام، أو يقول الفقيه من أهل عصرنا: قال مالك، ويقول سحنون: قال مالك، وإنما الخلاف في ذلك؛ هل يلزم بقوله والعمل به أم لا؟
فأما أبو حنيفة رضي الله عنه فنص جماعة من المصنفين على أنه يرى قبول المراسيل، ويوجب العمل بها، وكذلك أضاف قوم من المصنفين هذا المذهب إلى مالك رضي الله عنه، والقاضي أبو الفرج من أصحابنا لما نصر هذا القول، وأضافه إلى مالك، وبين ما وقع من كلامه، مما يدل على أنه يرى العمل بالمراسيل، وذكر القاضي عبد الوهاب أن الظاهر من المذهب قبولها والعمل بها، ولكنه بعد ذلك ذكر مذهب من ذهب إلى الاقتصار على قبول