المراسيل للصحابة، والتابعين، وتابعي التابعين، ثم قال: وهذا هو الظاهر من المذهب عندي. فقد علمت من صار إلى قبول المراسيل على الإطلاق.
ومن الناس من قيد وجوب القبول على الصحابة خاصة رضي الله عنهم، فقال: لا يقبل سوى مراسيل الصحابة، ومنهم من أضاف إلى الصحابة والتابعين، فقال: إنما يجب قبول مراسيل الصحابة والتابعين (لا مراسيل من بعدهم. ومنهم من أضاف إلى هذين العصرين العصر الثالث، فقال: يجب قبول مراسيل الصحابة والتابعين) وتابعي التابعين.
ومن الناس من ذهب إلى أن المراسيل لا يجب قبولها ولا العمل بها، فمنهم من لم يقبل المرسل ولا من الصاحب رضي الله عنه، ومنهم من استثنى الصحابة فقبل منهم المرسل، ومن القائلين بالمراسيل من أغلى في قبولهم حتى قدمها على المستندات، لأمر سننبهك إليه.
وأما الشافعي فلقد اضطرب النقل عنه فرأيت بين المصنفين اختلافا كثيرا في النقل عنه، لكن القاضي ابن الطيب نقل عنه أنه لا يرى العمل بالمراسيل إلا عند شروط تصحب الحديث المرسل، منها أن يسنده غير من أرسله، ومنها أن يعمل به صاحب، ومنها أن يعمل به العامة، ومنها أن المرسِل لا يرسل إلا عن ثقاة، ولهذا قال: مراسيل ابن المسيب حسنة، لأ، هـ كشف عنها وعلم إسنادها. وأبو المعالي ذكر عن الشافعي أنه لا يرد المرسل مطلقا، ولكنه قد يتطلب مزيد ثقة تقوي الحديث المرسل، وأشار إلى استنباط هذا من مذهببه مما حكيناه عنه في مراسيل سعيد، وإلى بعض ما نقلنا من شروطه، وهذه الطريقة التي اختار أبو المعالي، فرأى أن الراوي الموثوق بعلمه ودينه واختياره للرواية، ومعرفته بالتعديل والتجريح إذا قال: حدثني من أثق به وأرضاه، فإن ذلك يوجب الثقة بحديثه، وإذا قال: حدثني رجل، ولم يزد على هذا، فإن هذا يتوقف على العمل بحديثه. وكذلك: إذا قال الإمام اراوي: قال النبي عليه السالم، فهذا بالغ في ثقته بمن روى له.
فهذه جملة من المذاهب المذكورة في هذا الباب. وقد كنا حكينا أن من الناس من قال: لا يقبل إلا مرسيل الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، هكذا حكى بعض المصنفين هذا مطلقا، ولم يسم أصحاب هذا المذهب، وحكى بعضهم عن عيسى بن أبان هذا المذهب، ولكنه زاد فيه قبول مرسل أرسله إمام، وإن كان هذا الإمام بعد تابعي التابعين.
وأما الوجه الثالث فاعلم أنه ينبغي للناظر في هذه المسألة أن يلتفت إلى بنائه على أصول تقدمت الإشارة إليها، فمن ذلك ما ذكرناه من اختلاف الناس في التعديل، هل يفتقر فيه إلى مباحثه المعدل عن أسباب التعديل، فلا شك أنه لا يقبل المرسل من الأحاديث، لأن قصارى ما يعتمد عليه من يقبل المرسل من الأحاديث كون المرسل متقلدا عدالة من أرسل عنه، وهو لو صرح بتعديله لم يقبل ذلك منه دون المباحثة عن أسباب التعديل