به، إذا لم يصرح، وإنما فهم عنه التعديل تلويحا لا تصريحا. وأما من قال: يقبل التعديل من غير مباحثة المعدل، فأصحاب هذا المذهب هم الذين ينظرون في قبول المرسل، ويختلفون هل يتضمن الإرسالُ التعديلَ أم لا؟
فهذا أصل لابد من الالتفات إليه في هذه المسألة، ويلتفت فيها إلى أصل آخر أيضا، وهو قبول تعديل المعدل الواحد، لأن المرسل عند من قبل الإرسال كالمعدل لمن أسل عنه الحديث، وهو لو سماه وعدله لم يعول على تعديله منفردا، فكيف به إذا لم يسمه، ومنها أنه لو قال: حدثني رجل عدل وثقة مرضى، فإن هذا مما اختلف فيه، فقيل: لا يعول على هذا حتى يسميه، لأنه لو سماه لأمكن أن يعرف سامع الخبر من جرحه هذا المسمى، ولأن يعرفه المرسل الذي عدله قاصرا به عن تسميته يقتضي عدم ثقة (ص ٢٢٧) السامع لتعديله، فلهذا لم يقبل، وقيل: بل يجب قبول مثل هذا.
وقد رأى أبو المعالي أن هذا من الصنف المقبول من المراسيل إذا كان المعدل إماما ثقة، عارفا بطرق التعديل والبحث عنه، ورأى أن هذا التشكك الذي فرضناه من تجويزنا أنه لو سمى للسامع لأمكن أن يعرف منه ما لم يعرف المعدل لا يخرم الثقة بصحة الخبر والتعديل، وكل ما لا يخرم الثقة لا يلتفت إليه.
وقد ذهب بعض الأئمة إلى أنه لو صحر بتسمية الراوي وبتعديله لم يبادر إلى العمل بالخبر حتى يبحث السامع عن صحة ما قال المعدل، ويطلب تعديل هذا أو تجريحه من مظانه حتى يتأكد عنده صحة تعديل المعدل، أو يعثر على خلاف ما قال من كون التعديل طريقه الاجتهاد، وما طريقه الاجتهاد تختلف فيه الآثار، ويتفاوت فيه بحث العقلاء، فكل إنسان منهم مخاطب باجتهاده، ولهذا كان القاضي إذا شهد عنده عدلان حكم بشهادتهما قاض غيره، لا يقتصر على ما فعله غيره، بل يستأنف هو البحث عنهما إذا أمكن عنده أن يفيده البحث بطلان ما ذهب إليه القاضي الذي قبله من تعديلهما، أو تأكيد صحة ما ذهب إليه.
وقد أشار القاضي أبو محمد عبد الوهاب إلى إلزام هؤلاء الصائرين إلى إيجاب البحث بعد سماع التعديل أن يكون القاضي إذا رفع إليه حكم قاض آخر لا ينفذه حتى يبحث عن عدالة من حكم القاضي بشهادته، لجواز أن يكون إذا بحث عثر على تجريحهم، وحاول بهذا الإلزام رد ما قالوه من إيجاب البحث عن تعديل الراوي بعد سماع تعديله ممن روى عنه، وهذا عندي قد لا يلزمهم، وشتان بين أمر قد تقدم فيه حكم، ونفذت فيه قضية، وبين أمر لم يتقدم فيه قضية ولا نظر فيه قاض، فهؤلاء، إنما أوجبوا البحث على القاضي الثاني في