أمر شهد عنده به شاهدان حكم قاض قبله بشهادتهما في أمر آخر، لا تعلق له بما هو فيه ناظر، ولا يكون إمضاؤه فيه القضاء بإبطال أو تصحيح مناقضا لحكم آخر قبله، بخلاف حكم آخر قبله بخلاف حكم رفع إليه قد نفذه من قبله، فإنه إذا بحث عن عدالة من شهد عند الأول، وعثر على تجريحها، ونقض ما شهدا به فقد تعرض لنقض قضية من قبله، وليس للقاضي أن ينقض على من قبله، إلا إذا أخطأ خطأ لا مدخل للاجتهاد فيه، وقد اختلف المذهب عندنا على قولين في نقض حكم، حكم فيها بشهادة عدلين عند القاضي بهما، ثم تبين أنهما كانا حين الحكم فاسقين.
وبالجملة فإن أصل الشريعة قد فرق بين ما نفذ الحكم به وما لم ينذ، والشاهدان إذا رجعا بعد الحكم لم يبطل الحكم برجوعهما، ولو رجعا قبل الحكم لم يصح إنفاذ الحكم بشهادتهما. وأيضا فإن القاضي المأمور باستئناف البحث عن شاهدين حكم قاض غيره بشهادتهما في أمر آخر يحسن منه البحث، لجواز أن يكونا فسقا بعد إنفاذ الأول الحكم بشهادتهما فيصادق حكمه فسقهما، فلهذا حسن البحث عند هؤلاء، وهؤلاء الذي ذكرنا عنهم يوجبون البحث مع سماع التعديل تصريحا بتسمية الراوي وتعديله يخالفهم غيرهم في ذلك، ويقتصر على تعويل المعدل، وفي خلال حجاج من يقبل المراسيل ما يشير إلى ما قلنا من إسقاط إيجاب البحث مع سماع التسمية والتعديل، وقد كنا ذكرنا اختيار أبي المعالي قبول ذلك من العارف بطرق التعديل مع إضرابه عن التسمية، ولست أدري ما يذهب إليه في هذا لما سمي الراوي، لأنه قد يرى أن من سمى له الراوي قد وجد سبيلا إلى الاستقصاء والبحث فلا معنى لإضرابه عنه مع قدرته عليه، وأما من لم يسم له الراوي، ولكن قال له شيخه: حدثني رجل عدل رضي، فإنه لم يوجده شيخه سبيلا إلى البحث عمن عدله.
وبالجملة فإن الذي أفهم من كلام بعض من ذهب إلى قبول المراسيل أنه لا يرى من شرط القبول البحث والاستقصاء بعد سماعه لتسمية الراوي وتعديله، وقد كنا قدمنا أيضا ذكر الاختلاف في رواية العدل عن رجل؛ هل يتضمن ذلك تعديله أم لا؟ وهذا الأصل مما يلتفت إليه أيضا في مسالتنا هذه، وقد يلتفت فيها أيضا إلى نحو ما كنا قدمنا ذكر الخلاف فيه من التعديل على ظاهر الإسلام في قبول الخبر.
فهذه نكت نبهناك عليها يفتقر الناظر في المسألة التي نحن فيها إلى التشوف إليها، ولم ينبه عليها غيرنا من المصنفين مجموعة كما نبهناك عليها، ويكاد الذكي أن يستلوح منها سبب الخلاف في قبول المراسيل على ما ترى.
وأما الوجه الرابع فاعلم أن النكتة المعتمد عليها ومن النظر فيها ينشأ الخلاف في قبول المراسيل هي أن الراوي إذا قال: حدثني فلان وهو عدل مرضي، فإنه إذا سمى الراوي،