وصرح بتعديله فقد بلغ إلى نهاية ما يراد منه، وإذا استظهر السامع بعد هذا بالبحث والاستقصاء عن صحة ما قال في التعديل فلم يعثر على جرح فقد حصل الإجماع على وجوب قبول (ص ٢٢٨) هذا الخبر على الجملة، عند من لم يشترط العدد في التعديل، ولا المباحثة كما تقدم.
وإذا قال: حدثني رجل لا أعرفه بخير ولا شر، ولا أعدله ولا أجرحه، فإن هذا لا يقبل إجماعا عند من لم ير التعديل على ظاهر الإسلام في قبول الرواية.
فإذا أحطت بهذا علما، فإذا قال الراوي: حدثني رجل، ولم يسمه؛ فهل يحمل أمره على أنه عنده من القسم الأول المتق على قبوله، وأنه لو لم يكن عنده عدلا لما حدث عنه، فيجب قبول المراسيل والعمل بها. أو يكون الأمر فيه كالحال في القسم الثاني، وأنه لا يعرف هذا الرجل بعدالة ولا جرح، فلا يقبل هذا الخبر، فهذه النكتة هي سبب الخلاف، ولهذا سلك المحققون الطرق التي حكيناها عنهم، فرأى القاضي ابن الطيب أنه لا يجب العمل بالمراسيل، لأنه وإن كان حصل الاتفاق على جواز الحديث بها، فإن المحدثين بها لم يتطابقوا على اعتياد أن لا يحدثوا إلا عن عدل، ونحن نجد المحدثين في عصرنا وفيما قبله من الأعصار يحدثون عن رجال ويسمونهم، فإذا سئل المحدث عن رجل منهم قال: لا أعرف حاله، هل هو ثقة أم لا؟
فإذا كان هذا مشهورا بينهم، وجوزنا أن يكون المحدث أرسل الحديث عمن هو عدل عنده، أو عمن لم يعرفه، أو عمن يعرف جرحه، وقد قال الشافعي: حدثني الحارث الأعور، وكان كذابا. فمن أين يصح القطع على أن الراوي لم يرسل الحديث إلا عن عدل عنده. وإذا ثبت التجويز لأن يكون أرسل عن عدل، أو عن غير عدل لم يجب العمل بحديث مشكوك فيه، وإنما يعتمد على من قال بقبول المراسيل، على أنه لا يرسل الحديث إذا كان ثقة إلا عن ثقة، وقد أخبرنا أن هذا الذي اعتمد عليه غير صحيح، وأن العادة لم تطرد به.
وقد نجح من يقول بالمراسيل إلى الاعتماد على مسلك آخر، وذلك أنه يقول: العمل بخبر الواحد إنما تلقيناه عن الصحابة رضي الله عنهم، وعلى إجماعهم على العمل به عولنا، وقد رأيناهم يقبلون المراسيل، وهذا ابن عباس رضي الله عنه مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير، وقد روى أحاديث لا تحصى، ولم ينكر عليه ولا ترك العمل بما رواه، مع العلم بأنه لم يبلغ به العمل إلى أن يسمع من النبي عليه السلام بعض ما رواه فكيف بجميعه ألا تراه لما [روى]: "لا ربا إلا في النسيئة" وهو حدث عنه قال: حدثني أسامة بن زيد، وهكذا لما روي "أن