فصوله، فنؤخر ما يجب أن يؤخر من وقف فيه على مثل هذا، هذا العذر، وفي تقديم وتأخير إن اتفق، كما أن العذر في عبارة تقع فيه، ربما كان غيرها أولى منها، وأفصح، إنما نملي هذا الذي نحن فيه على جماعة مختلفي الأفهام، فربما اشتغل الخاطر بالإملاء على كل واحد منهم عن تحرير ما هو أولى في العبارة، ولكن لا نخلي هذا المعاد من زيادة فائدة.
فقد كنا قدمنا أن الكلام قد قيل في حده: إنه المسموع المفيد، من غير مواضعة، وذكرنا ما في هذا الحد [ما] له وعليه، وذكرنا أنه قيل في حده: ما نفى عن ذات من وجد به الخرس، والسكوت، والطفولية، وذكرنا أنه قيل فيه: ما أوجب كون محله متكلما، وقد قيل أيضا: إنه نطق النفس المدلول عليه بالعبارات، وما في معناها.
وقيل أيضا: إنه القول الذي لا يختص بمواضعة، ولا توقيف، وهذا يخلص الكلام النفسي من الكلام اللسني، لأن اللسني إنما يفيد بالاصطلاح والمواضعة على الخلاف الذي قدمناه فيه.
وقد قيل إن الكلام هو ما لا ينفك من كونه خبرا، أو اسختبار أو أمرا، أو نهيا، وهذا ليس على صناعة الحدود، ويرتبط به من القول ما قدمناه من المذاهب في تقسيم الكلام، وقد صار القاضي في بعض مصنفاته إلى أنه مما لا يحد، ولا يكشف عن مائيته، بعباراته، ويوضع معناه، وإن لم يكن على شريطة الحدود.
[فصل في حقيقة الأمر]
اعلم أنا قدمنا في أول الكتاب تعليم استخراج الحدود في كل محدود، وهذا منه، وذلك أن الأمر نوع من أنواع القول، والقول كالجنس لهذا النوع، وقد يكون الجنس نوعا بالمقايسة إلى ما قبله، وإلى ما هو أعم منه، فالقول صفة، ولكن ليست كل صفة قولا.
ألا ترى أن الألوان والأكوان صفات، وليست بأقوال، فالقولية يميز الأمر بما هو كالجنس، وليست كل قولية أمرا، لأن الأخبار أقوال وليست من الأمر، فلابد من ذكر ما هو كالنوع أو كالفاصلة بهذا الجنس، حتى يتميز الأمر من غيره من الأقوال.
وعند النظر في هذا الميز اختلفت عبارات الأئمة اختلافا كثيرا.