عنه، لكن الأستاذ هاهنا يمكنه اليقين بما يرويه إذا كان لا آفة ببصره تمنعه من الاطلاع على ما في كتابه حتى يكون تحميله الرواية لتلامذته يقع منه عن يقين، والأستاذ إذا نسي لا يمكنه اليقين، فرجوعه إلى الراوي عنه أمر ضروري.
هذا قصارى ما يكون فرقا بين المسألتين، لكن لو كان الأستاذ ببصره آفة تمنعه من الاطلاع على ما في كتابه بأن يكون كف بصره، وهو قاطع على أن الكتاب الذي ناوله للقارئ سمع جميع ما فيه، فإن هذا يكون في تعويله على القارئ مغرورا أيضا. هذا تحقيق القول عندي في هذه المسألة التي تردد فيها كلام القاضي ابن الطيب.
وكثيرا ما يعول فقهاء الزمان على قراءة من يقرأ كتبهم بين أيديهم، ولكن أكثر فقهاء الزمان كثيرا ما تقرأ عليهم بعض كتب الحديث ليستمع كلامهم على فقهها، ويتعلم منهم كيفية الاستنباط من أحاديثها، وعندي أن مثل هؤلاء لا ينبغي أن يروى عنهم ما قرئ عليهم على هذه الجهة، حتى يقرر عليهم عند فراغ السماع أنهم يأذنون في رواية ما قرئ عليهم، فإن كثيرا منهم يهرب إذا قرئ ذلك عليهم عن أن يتقلد للقارئ ضبطا في الكتاب. وقد كنا قدمنا ذكر الخلاف في الرواية عن المحدث إذا قرئ عليه، ولم يقرر عليه عند الفراغ من السماع، وذكرنا أن المختار جواز الرواية عنه، وأن يقرر عليه، ولكنا نبهنا هناك على أن قرائن الحال من الحدثين الذين إنما انتصبوا لأن يروى عنهم اللفظ، لا لأن يتعلم المعنى [مما] يشعر بأنهم آذنون بما قرئ عليهم أن يرى عنهم، وهذا بخلاف ما وصفنا من حال الفقهاء.
[فصل في الإجازة والمناولة]
كثر من أبناء الزمان الإخلاد إلى تطلب الإجازات من المشايخ لا سيما عصبة المتفقهين، لأنهم يرون أن قطع الأزمنة في قراءة دواوين الأحاديث، وتطلبهم المحدثين من الأقطار مقطعة عن درس الفقه. ولا خلاف في جواز تطلب ذلك، والرواية عليه، هكذا حكى القاضي ابن الطيب الاتفاق على جواز ذلك.
وقد رأيت ابن خويز منداد في كتابه ذكر أن قول مالك اختلف في ذلك، فأجاز تلك مرة وكرهه أخرى، ولكنه أورد بعد هذا بناء على هذا الاختلاف ما يشير إلى أنه غير متعرض إلى ذكر الاختلاف فيما ذكر القاضي ابن الطيب الاتفاق عليه من جواز الرواية على هذه الصفة، وذلك أنه قال: إن قلنا برواية الإجازة قال الراوي: أخبرني، وحدثني. وإن قلنا برواية الكراهة لم يقل إلا أجازتي، أو أخبرني أو حدثني إجازة. فأشار إلى صرف الاختلاف إلى تحقيق العبارة في الرواية.
لكن القاضي أبو محمد عبد الوهاب أشار إلى صرف الاختلاف إلى جواز الرواية