بإجماع العلماء على أن من اشترى سلعة واشترط خيار بائعها أنه لا يحل له إتلافها والتصرف فيها حتى يرضى له بائعها بذلك، ورأيناهم أجمعوا على شرب الماء من السقاء، وهما بالمجلس لم يفارق الشارب من باع منه الماء، وما ذاك إلا لأنالسقاء لا خيار له في المجلس، ولو كان له الخيار ما ساغ له إتلاف مائة من قبل أن يرضى.
ورأيت المغافي أشار إلى طريقة أخرى توجب العدول عن الحديث فقال: إن النبي عليه السلام نهى عن بيع الغرر، وعن بيع الحصاة، لأنه لا يدري أمد وقوعها، فلو كان الخيار ثابتا في المجلس لكان من جنس ما نهى عنه، لأنه لا يدري متى يفترقان، وهذه الطريقة التي ذكر المغافي. والطريق الثاني التي أشار إليها يحيى بن أكثم لا تصفو لهما عن شوائب القدح، ولوا الإطالة لنبهناك على ما فيها.
ومما يولع به أصحابنا مناقضة الشافعية بالنكاح، فإنهم لا يرون فيه خيار المجلس. والشافعية تجيب عن هذا بأن معظم البياعات تقع فجأة من غير روية، فكان من المصلحة والحكمة إثبات الخيار ما داما في المجلس ليتلافى به الغالط غلطه، فإذا افترقا فإن ذلك علم على أن كل واحد منهما روي وفكر فأبصر فاعل ما رأياه صوابا، ولو كان في مهلة من النظر لأمكن أن لا يفارق صاحبه، لأنه قد لا يلقاه بعد اليوم، والنكاح بخلاف ذلك. والمراد من النكاح الأعيان، بخلاف المعاوضة المالية، ألا ترى أن الوكيل يبيع وينعقد بيعه وإن لم يسم من وكله، ولا ينعقد إنكاحه حتى يسمي للزوجة من وكله فتعرفه، لأن القصد في النكاح الأعيان، فلابد أن يعرف، فإذا عرفت حصل المقصود. وقد التزم أصحاب الشافعي على هذا التعليل إثبات خيار المجلس من جانب الصداق، لكونه مالا، ولهم فيه اضطراب لا يليق إيراده بكتابنا هذا.
[مسألة تأويلية في أحكام العربة]
قد اشتهر الحديث الوارد في الصحيح في "أنه صلى الله عليه وسلم أرخص في شراء العربة بخرصها تمرا إلى الجذاذ، إذا كانت خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق"، شك الراوي في هذا، وأخذ مالك بهذا الحديث، ولكنه لم يجز انتقاد التمر، بل شرط في جواز هذه المعاملة تأجيل التمر. والشافعي لم يشترط (ص ١٨٣) التأجيل في صحة العقد، وكلاهما أخذ بهذا الحديث في جواز هذه المعاملة على الجملة، وإن تضمنت التفاضل في ما لا يجوز التفاضل