" أن النبي عليه السلام نهى عن نكاح المتعة"، وأورد هذا القائل أمثال هذا الحديث كقوله:"نهى عن المخابرة"، وأمر بكذا، ونهى عن كذا، مما يكثر تعداده، ولم يطالب بعضهم بعضا بإيراد نفس اللفظ.
فهذا منتهى القول في قول الصاحب:"أمر النبي عليه السلام بكذا". وأما لو قال:"أُمرنا بكذا"، و (نُهينا عن كذا)، فقد اختلف (ص ٢٣٦) الناس فيه على حسب ما قدمناه من اختلافهم في قول لصاحب: "السنة كذا وكذا"، فمن الناس من حمل هذا على أن المراد به أن النبي عليه السلام هو الآمر، ومنهم من حمله على أنه محتمل أن يكون غير النبي صلى الله عليه وسلم وهو الآخر الذي أشار إليه الراوي، وسبب الخلاف (هو ما قدمناه من) اختلافهم في قول الصاحب: "السنة كذا وكذا".
[فصل في إنكار الشيخ ما روي عنه]
اعلم أن الناس مختلفون في راوٍ تحدث بحديث عن شيخ، وذلك الشيخ ينكر الحديث، فمن الناس من رأى قبول ذلك الحديث والعمل به، ومنهم من أبى من قبوله والعمل به، وحكي عن الشافعي أنه يرى العمل بذلك. وذكر ابن خويز منداد من أصحابنا أن المختار عنده العمل به، واستقرأ هذا عن مالك رضي الله عنه من قوله: إن القاضي إذا شهد عليه شاهدان بأنه قد حكم عليه بحكم، والقاضي ينكر ذلك الحكم، أن شهادة الشاهدين يقضي بها، ويجب إمضاء الحكم بشهادتهم، وإن كان الحاكم بالحكم ينكره، ولكنه ذكر أن قول مالك رضي الله عنه في شهود نقلوا شهادة عن شاهد، والشاهد المنقول عنه الشهادة ينكرها، فإن الشهادة لا يقضي بها. قال ابن خويز منداد: وهذا يدل على خلاف الأول، فاشار إلى تردد في الاستقراء عن مالك، ولكنه بعد هذا في أثناء الباب أنكر قياس الإخبار على الشهادة في هذا، والذي أورده من الإنكار، والفرق بين الشهادة والإخبار يقتضي أن لا يتردد تضييفه إلى مالك من مسألة الشهود إذا نقلوا عن شهود.
وأما القاضي ابن الطيب فإنه فصل القول في هذا، ورأى أن الشيخ إذا قطع بأنه لم يحدث بالحديث واستكذب من رواه عنه، فإن هذا الحديث لا يعمل به، لأن قطع الشيخ على تكذيب التلميذ يخرم الثقة بالخبر، وليس تصديق التلميذ على الشيخ بأولى من تصديق الشيخ على التلميذ، وإذا تعارض الأمران سقط الخبر، لأن التلميذ هاهنا كالفرع والشيخ