اللفظ مترددا بين الإسناد والإرسال، وقد رد الأئمة هذا المذهب بأن الظاهر من الصاحب أنه لا يجزم القول بأن النبي عليه السلام [أمر] إلا وقد سمع منه ما علم منه الأمر علما ضروريا بقرينة حال أو غيرها. وأما لو سمع لفظا فيه احتمال لاقتضى ورعه وعدالته، ألا ينقل إلينا محتملا يصمم القول فيه بناء على اعتقاده فيه، مع علمه بإمكان الخلاف فيه، وتأويل غيره له بخلاف تأويله، كيف وقد تقدم ذكرنا أن الشاهد بالنكاح والبيع يقضي بإطلاق شهادته، ولا يجب الوقف عن شهادته لعدم تفسيره لنا، وإيراده [هـ] علينا شروط الصحة في النكاح والبيع، ووقف كلام العدول عن إمضائه على ظاهره لا يجب لتجويز أن يكون معرضا للبطلان.
وقد ذكر ابن خويز منداد هذا الخلاف الذي ذكرناه عن أ÷ل الظاهر، عن بعض أصحاب الشافعي، وبعض أصحاب أبي حنيفة، وما رأيت من أضاف هذا لهؤلاء سواه، ولكنه مع هذا أشار إلى سبق الإجماع على خلاف هذا المذهب.
ويتعلق بما فيه النظر في حمله على العموم، وأظن أنا أشرنا إليه في كتاب العموم، ولكن نشير إليه الآن، فاعلم أن بين العلماء اختلافا في حمل مثل هذا على العموم، أو التوقف فيه، لجواز أن يكون الراوي إنما أراد أن النبي عليه السلام أمر رجلا واحدا أمرا لا يتعداه، أو فرقة واحدة أمرا لا يتعداهم، وكذلك اختلف الناس أيضا في قوله:"قضى النبي عليه السلام بكذا"، هل يحمل على العموم أو يتوقف فيه، كقول الراوي:"قضى بالشفعة للجار"، وبالكفارة في الإفطار، فمن لم يحمله على العموم لجواز أن يكون الراوي أراد أنه قضي في شخص واحد، قصر قضيته عليه. ومنهم من رأى أنه لو غير الراوي هذه العبارة فقال: قضى بأن الشفعة للجار، لكان ذلك يقتضي العموم. وأبى بعضهم من اقتضاء هذا العموم، ولو وقع بهذا اللفظ، ورأى أن دخول "أن" كخروجها. ومنهم من قال: إنما يقتضي هذا العموم لو قال: كان يقضي بالشفعة للجار، لأجل إفادة "كان" التكرار قد يكون في شخص بعينه أو آحاد محصورين، فصار في واحد بعد واحد.
وقد كنا نبهناك على الاختلاف في قول الصاحب:"أمر النبي عليه السلام" هل يحمل على العموم أم لا؟، فاعلم أيضا أن الاحتمال يدخله من جهة أخرى، وهل تردد قوله:"أمر" بين الوجوب أو الندب على رأي أن المندوب إليه مأمور به؟ وقد قيل: إنا تتبعنا آثار الصحابة فوجدناهم عاملين بمثل هذا اللفظ، وقد قال علي لابن عباس رضي الله عنهما محتجا عليه