للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مسألة في مصرف الصدقات]

اختلف الناس في مصرف الزكاة؛ هل يجزي صرفها إلى إحدى الجهات التي ذكرها الله سبحانه في الثمانية أصناف أو لابد من توزيعها على سائر الحاجات، بأن يدفع إلى الثمانية أصناف.

فذكر أبو المعالي أن المقتصر بالإعطاء على صنف واحد، مثل أن يعطي جميع زكاته للفقراء، أو يعطي جميعها للغارمين، معطل للفظ لا مؤول، وكل تأويل عطل اللفظ فإنه غير مسموع ولا متقبل من مؤوله. وقد اشتملت الآية على عد ثمانية أصناف عطف بعضهم على بعض بحرف الواو التي هي للجمع والتشريك، وأكد هذا المعنى فإنه قال: (إنما الصدقات للفقراء)، وهذه اللام تفيد التمليك كقولك: الدار لزيد، والثوب لعمرو، فإن هذا اللفظ يفيد الملك. وإذا أفادت اللام في قوله تعالى: (للفقراء) الملك، وعطف على ذلك ما ذكر بعده من الأنصاف بحرف الواو التي هي للتشريك، وجب اشتراك الجميع في ملك هذا المال الذي هو الصدقة.

ويوضح كون هذه اللام وعطف أعداد عليها يوجب التمليك أن الموصي إذا قال: ثلث مالي للفقراء، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، فإنه لا يصح صرف ثلثه إلى واحد من هذه الجهات دون الأخر، وما ذلك إلا لإفادة هذه العبارة في اللسان التشريك في التمليك.

وقد سلم بعض المتأخرين لزوم ما ألزمه الشافعي من الوصية لأعداد، فزعم أن الوصية بمثابة الصدقات يجوز صرفها إلى واحد من ذوي الحاجات، وهذا غلط، والوصايا يجب أن تنفذ على مقتضى لفظ الموصي، فإذا صرف واحد بعض ماله إلى جههة عددها وجب استيفاء تلك الجهات، كما لو صرفها إلى أشخاص معينين.

وأنكر أبو المعالي أن يكون القصد بالآية التعرض للحاجة في جهة من الجهات المذكورة فيها، ورأى هذا كالتعطيل للفظ لا كالتأويل، واعتل بأن الحاجة أيضا قد لا تستمر في بعض الأصناف المذكورين كالعاملين، فإنهم لا يأخذون من جهة حاجتهم، وكالغارمين بسبب حمالة تحملوها لإصلاح ذات البين، ولا معنى لتخيل العامل على الزكاة لما كان محتاجا إلى كفايته ونيابته على المساكين وغيرهم، صار من هذا الجانب الدافع إليه كبعض جهات الحاجة المذكورة، لأن هذا تغيير مبناه على تحكم، واللفظ منتظم لذكر الحاجات انتظام تشريك وتمليك، ولو كان المراد تأوله المتأول لكانت التلاوة: "إنما الصدقات

<<  <   >  >>