للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"سلاسل" يحكي إطلاق القوافي، ثم قد تبدل العرب الألف نونا تستروح إلى غنتها استرواحها إلى استرسال الألف.

والثاني: أن الأصل صرف كل اسم متمكن، ومنع الصرف في حكم تضييق طارئ على الكلام، فلم يبعد في فصيح الكلام رده إلى أصله. وأما الخفض على الجوار فخروج على الأصل والقانون، ولا يحسن الخرو عن الأصل إلى لضرورة.

ولما ذكرنا ما تعلق بقراءة الكسر في قوله تعالى: (وأرجلكم)، فلنذكر ما يتعلق بقراءة النصب، فقد قال أيضا الصائرون إلى المسح أن النصب إنما ورد هاهنا على حكم العطف، على إعراب الرؤوس، قبل دخول حرف الجر علهيا، فكأنه قال: وامسحوا رؤسكم وأرجلكم، والمراد مسح الأرجل عطفا على موضوع إعراب الرؤوس قبل دخول حرف الجر عليها، ألا ترى قولهم: يا عمر الجواد، فإن المنادى المفرد، وإن كان مرفوعا في اللفظ فمحله النصب على ما عرف في كتب النحاة، فأجرى قولهم: "الجواد" على الإعراب المعنوي لا اللفظي.

ولما رأى الطبري أن قراءة النصب وإن احتملت هذا فالأظهر إجراء إعرابها على حكم الظاهر، فالقرض على مقتضاها الغسل عطفا على المنصوب المتقدم، وهو الوجه واليدان، ورأى قراءة الخفض تفيد المسح كما بيناه، وأبطلنا ما تؤول سواه من الخفض على الجوار، ولم يراع التأويل الذي حكيناه عن سيبويه وعن بعض أهل اللغة، أثبت التخيير بين مقتضى هاتين القراءتين، وخير المتوضئ بين الغسل والمسح.

وهذه الطريقة التي سلك لا تصفو له إلا بأن يبطل إيجاب فرض الغسل والمسح معا، ويرى أن المكلف لا يجب عليه الجمع بينهما، فيصار إلى التخيير عند هذا التأويل والتنافي المقدر بالدليل الذي يقيمه على منع إيجاب النوعين جميعا. وأما إن لم يقم دليلا على هذا فيقال له: الواجب على مقتضى طريقتك الإتيان بالغسل والمسح (ص ١٧٤) جميعا، إذ لا تنافي في العقل في الجمع بينهما.

ومعتمد جمهور المسلمين على الغسل، ويستدلون على ذلك بما أوردناه وبسطناه في كتبنا الفقهية من الآثار وعمل السلف، والتحديد بالكعبين كما حد بالمرفقين، إلى غير ذلك مما ذكرناه مما ليس هذا موضعه.

<<  <   >  >>