بالاتباع فيها، ويجيبون عن الأحاديث التي قدمناها بنحو من هذا، ويقولون: أما خلعهم النعال في الصلاة، فلأجل أنه قال:"صلوا كما رأيتموني أصلي". وقال ابن خويز منداد ردا لهذا الجواب: لم يذكر أن خلعهم النعال كان بعد أن قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"ـ فيحمل ما فعلوه على امتثال قوله هذا، لا على اتباع فعله. وأيضا فإن خلع النعال ليس من نفس الصلاة، فيدخل في قوله:"صلوا كما رأيتموني أصلي".
وكذلك أجاب الواقفية عن حديث الحلاق في الحج، لأنه قال:"خذوا عني مناسككم"، فلهذا فعلوا ما فعلوه.
وتتُع كل ما قيل في مثل هذا يطول، وبالجملة فالأظهر في هذا أنا مأمورون بالاتباع على الجملة، وأن الصحابة كانت تدين بهذا، وإذا طرقنا إلى مثل [هذا] الاستدلال ما أشار إليه الواقفية من التجويز، فتحنا على أنفسنا مطاعن من طعن علينا في استدلالنا بآثارهم على إثبات القياس، والعمل بخبر الواحد، وهذا واضح.
وإنما يبقى النظر في مسلكهم اتباعه صلى الله عليه وسلم؛ هل [كانوا] يعتقدون الوجوب، أو الندب، وما عندنا في هذا يطول استقضصاؤه.
فصل في تعارض الأحوال (ص ١٦٠)
اعلم أن التعارض بمعنى التضادد، والتنافر.
فأما الأقوال فيصح فيها هذا المعنى، لأن تقدير قول متضمن لمعنى، وتقدير قول متضمن لمعنى مضاد لذلك المعنى ممكن متصور، والقول: اقتل زيدا، مضاد للقول: لا تقتله، والقول:(وأحل الله البيع)، مضاد للقول: وحرم الله البيع.
وأحكام ما تعارض من الأقوال مذكور في مواضعه، والمشهور عند الفقهاء فيه استعمال البناء والتأويل على ما يصح معه استعمال القولين جميعا، "كنهيه عليه السلام عن الصلاة بعد العصر" ولم يفرق بين فرض ونافلة، وقوله صلى الله عليه وسلم:"من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها"، ولم يفرق بين ما بعد العصر وبين غيره من الأزمان، فكان أحد الحديثين يقتضي عمومه قضاء الصلاة المنسية بعد العصر، ويقتضي عموم الحديث الآخر النهي عن الصلاة المنسية حينئذ، فمالك يبني الحديثين، ويرى أن نهيه عن الصلاة بعد العصر محمول على النوافل، حتى لا يعطل واحد من الحديثين.
وإن تعارض القولان تعارضا لا يمكن فيه البناء والتأويل كان أحدهما ناسخا للآخر، فاعتبرت التواريخ التي منها يعلم الناسخ منهما من المنسوخ.