للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عدل معاذ عما كانوا عليه من قضاء ما فات، والإمام في الصلاة إلى ما صنع، وعلل بكراهية المخالفة له صلى الله عليه وسلم، اقتضى ذلك وجوب اتباعه في أفعاله.

وأيضا فإنه عليه السلام شكا إلى أم سلمة تأخر أصحابه عن الحلاق لما أمرهم به في حجته، فقال لأم سلمة: "أما ترين أن قومك أمرتهم فلا يأتمرون؟ فقالت رضي الله عنها: اذبح واحلق، ففعل صلى الله عليه وسلم فاتبعوه على ما فعل"، ورأوا أن فعله آكد من قوله، لأنه قال: فتأخروا حتى فعل فامتثلوا.

وتعلقوا بسيرة الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم كانوا يتحرون أفعال النبي عليه السالم، ويقتدون بها فيها، ألا تراه صلى الله عليه وسلم لما خلع نعله خلعوا نعالهم.

وألا ترى أن عمر بن الخطاب قال في الحجر [الأسود]: "لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك، ما قبلتك".

وألا ترى ابنه عبد الله بن عمر أتى إلى مكان فأدار ناقته، فقيل له: ما هذا؟ فقال: ما أدري، ولكني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله ففعلته.

وحديثه المخرج في الصحيح، الموطأ وغيره لما قيل له: رأيتك تصنع أربعا، فذكر له الإهلال، وتقبيل الأركان، والصباغ، ولباس النعال السبتية؟ فأجاب عن الجميع بما دل على أنه يرى الاقتداء بالنبي عليه السلام في أفعاله، والحديث مشهور.

وقد اختلفت الصحابة في الغسل من مجاوزة الختانِ الختانَ، فسألوا عائشة، فحكت فعل النبي عليه السلام، فلو لم يكن حجة لما حكته، ولا رجعوا إليه.

وتتبع آثارهم في هذا يكثر، ويكاد لا يحصى لكثرته واشتهار هذا عنهم.

وكثرة ما نقل عنه دعا أبا المعالي إلى أن اختار الندب إلى اتباعه صلى الله عليه وسلم تمسكا بهذه السيرة المنقولة عنهم فيما طريقه القرب، كما ذهب إلى اختيار الإباحة فيما لا يقصد فيه التقرب، وذكر أن الصحابة كانوا يستدلون على رفع الحرج بفعله صلى الله عليه وسلم، ووقف فيما كان من خصائصه، وزعم أنه لا يعرف سيرتهم في هذا النوع.

والواقفون يجيبون عن هذه السيرة، بأنه قد يكون قارنت الأفعال قرائن تدل على الأمر

<<  <   >  >>