من هذا، حتى يتبع هذا المتشابه اتباع ناظر فيه، ويبتغي تأويله ابتغاء متطلب العلم به، وقد ذم الباري تعالى مبتغيه ذما مطلقا. وأيضًا فبعيد هذا الذي صدر به ذكر الراسخين في العلم إخباره تعالى عنهم أنهم:(يقولون أمنا به كل من عند ربنا) وفي قلوبهم [زيغ]. (كل من عند ربنا) إشارة منهم إلى تفاوت هذا عندهم، وأن اليقين بصدق الله ورسوله أدى إلى التسليم والإذعان والتصديق بما لا يعرف، وفي مثل هذا المعنى يحسن مثل هذا القول، ويكون فيه إشارة إلى معنى يقتضي إيراده.
وأما إذا كان المتشابه يعلمه الراسخون كما يعلمون المحكم، فالجميع عندهم واحد، ويرتفع هذا المعنى المشار إليه بمثل هذا اللفظ الذي إنما يستعمل غالبا فيما قلناه. هذا الأغلب على ظني من هذا، استنبطه من السياق المتقدم على هذه الجملة، والمتأخر عنها.
[فصل في تخصيص العموم بأخبار الآحاد]
اعلم أن التخصيص يكون بدليل متصل:
إما استثناء كقوله تعالى:(إلا أن تستقوا منهم تقاة)، وكقوله:(إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام).
وإما حرف غاية كقوله تعالى:(ثم أتموا الصيام إلى الليل)، و (لا تقربوهن حتى يطهرن).
وإما صفة كقوله:(فتحرير رقبة مؤمنة).
وإما شرط كقوله:(فمن لم يجد صيام ثلاثة أيام في الحج).
ويكون التخصيص منفصلا، وذلك على ضربين: نطقي، وغير نطقي ..
فأما ما ليس بنطقي فهو دليل العقل وقد تقدم ذكر الخلاف في التخصيص به.
وأما النطقي فيكون تخصيص الشيء بمثله، كتخصيص الكتاب بالسنة، والسنة بالكتاب.