للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن إنما يبقى النظر في أمر آخر، وهو هل يقدر في القرآن مجمل لا يعرف معناه إلى الآن؟ وهذا قد قال بعض الناس: إنه لا يمكن، لأن الله تعالى أخبر بأنه أكمل الدين، فقال: (اليوم أكملت لكم دينكم)، ولأن تجويز هذا يطرق إلى خرم الثقة بالقرآن، وقال بعضهم: بل هذا ممكن.

وما أرى هؤلاء المختلفين اختلفوا إلا فيما لا يتعلق به أحكام تكليف، وأما ما يتعلق به التكليف والتعبد فلا يصح أن يقال ذلك فيه، لأنه ذهاب إلى تكليف ما لا يطاق، لكن ما لا يتعلق به تكليف ولا تعبد، لا مانع يمنع من تجويزه، وإلى هذا التفصيل ذهب أبو المعالي فجوز ذلك فيما لا تكليف (ص ١٣٤)، فيه ومنعه فيما فيه التكليف.

وأما سبب الاختلاف فمعروض على ما قدمناه من حقيقة المحكم والمتشابه في اللغة، وقد قلنا: إن المتشابه هو المشكل، وما قاله الزجاج لا شك في إشكاله، وكذلك ما قاله القاضي، وكذلك المذهب الآخر الذي ذكرنا أنه يضاهي مذهب القاضي، وكذلك مذهب عمرو بن عبيد، فإنه يقدر فيه الإشكال في الوعيد على الصغار دون الوعيد على الكبائر، وكذلك ما قال الاصم، وكذلك من قال: إن المتشابه الحروف المقطعة يقدر المراد بها مشكلا.

وأما من قال: المتشابه المنسوخ، فلأجل التعارف على قولهم: آية محكمة بمعنى أنها غير منسوخة، وأما من يقول: المحكم الإحكام، فكأنه أخذ اللفظة من اللفظة.

والأصح أن كل ما تصور فيه التباس وإشكال من هذه المذاهب فهو من المتشابه، وإنما يبقى هل ما تصوره صاحب المذهب من الإشكال ثابت أم لا؟

وأما معرفة الراسخون في العلم بالمتشابه، فهو نحو من هذا الذي فرغنا منه، ولكن قد اشتهر اختلاف الناس في قوله تعالى: (والراسخون في العلم يقولون أمنا به)، هل الواو هاهنا واو ابتداء، والوقف على قوله: (إلا الله)، و (الراسخون في العلم) مبتدأ، وهم لا يعلمون المتشابهه، أو الواو هاهنا عاطفة و (الراسخون في العلم) يعلمون المتشابه، ويقولون بمعنى: قائلين المنتصبة على الحال.

وهذا مشكل عندي، والمذهبان لا يكادان يقوم دليل يقتضى القطع على أحدهما، ويكاد أن يكون الكلام على كون الراسخين في العلم يعلمون المتشابه من المتشابه، ولكن مع هذا الأظهر عندي من سياق الآية أنهم لا يعلمونه، ألا تراه سبحانه قال: (فأما الذين في قلوبهم زيع فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله)، والراسخ في [العلمي لا يعلم شيئا

<<  <   >  >>