وأما الوجه الثاني وهو نقل المذاهب في تفسير قوله تعالى:(منه آياتٌ محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات)، فالمنقول في هذا تسعة أقوال:
- أحدها: ما ذهب إليه عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء، من أن المحكم وعيد أهل الكبائر، والمتشابه وعيد أهل الصغائر.
- وقال الأصم: المحكم نعوت النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب السالفة كالتوارة والإنجيل، والمتشابه: نعته في القرآن.
- وقال غير هؤلاء المبتدعين: المحكم: الناسخ، والمتشابه: المنسوخ.
- وقال بعضهم: بل المتشابه الحروف المقطعة المذكورة في القرآن على أربعة عشر نوعا كـ "ألم، والمص، والر، والمر، إلى بقية فواتح السور بأمثال هذه الحروف.
- وقال: المحكم: الأحكام من الحلال والحرام، والمتشابه: القصص والأمثال.
- وقال بعضهم: المحكم: [ما يؤخذ معناه بإجرائه على ظاهره]، والمتشابه: ما عسر إجراؤه على ظاهره، كقوله تعالى:(الرحمن على العرش استوى).
- وقال بعضهم: المحكم: ما عرف معناه، والمتشابه: هو المجمل، وقد تقدم بيانه، وأنه ما لا يعرف معناه وهذا الذي ذهب إليه القاضي ابن الطيب، ونصره أبو المعالي، وربما كان هذا المذهب راجعا إلى هذا الذي قبله، وهو قول من قال: المتشابه: ما عسر إجراؤه على ظاهره، لأنه إذا دل الدليل على فساد مذهب من ذهب إلى معنى:(الرحمن على العرش استوى)، أي استقر، ومذهب من سلك في استقراره صار لمراد به معنى آخر، وهذا المعنى الآخر غير منطوق به ولا معلوم، فصار من هذه الجهة مجملا، على حسب ما قدمنا في باب المجمل، وذكرنا مذهب بعض الناس في أحد أنواعه.
- وقال أبو إسحاق الزجاج: المتشابه أمر الساعة وميقاتها، لأن الكفرة كانت تكثر سؤال النبي عليه السلام عنها، وقد قال تعالى:(يسألونك كأنك حفى عنها).
والتأويل تفعيل من آل يؤول، وقال تعالى:(هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله)، فأشار بتأويله إلى مآله، وهو يوم القيامة.
وقال بعضهم: المتشابه: ما لا يعلم تأويله إلا الله، ولا يعلمه الراسخون في العلم، وهذا قد يرجع إلى أن المتشابه هو المجمل على حسب ما حكيناه عن القاضي ومن تبعه.