بالوطء وإن لم يذكر في الحديث، فمع إمكان هذا يقبح الهجوم على إمام مثل أبي حنيفة وإضافة الجهل بالأحاديث إليه، وقد استوت قدمه وقدم مالك إمام أئمة المحدثين في الافتقار إلى تأويل لهذا الحديث، وإنما يترجح تأويل مالك على تأويله بما ذكرناه في كتابنا "المعلم" وذكرنا هناك رواية من روى من أصحاب أبي حنيفة: "هو لك، عبد بن زمعة")، فحذف حرف النداء، وتكلمنا على ما قيل فيه، فمن أراد شفاء غليله في معاني هذا الحديث فليطالعه هنالك.
وأما ما ذكر عنه في اللعان فيطول الكلام [فيه]، وقد أشرنا أيضا هناك إلى ما إن تؤمل عرف منه سبب الخلاف في اللعان بمجرد نفي الحمل، فإن قيل: هل يسوغ أن يكون جواب النبي عليه السلام الخارج عن سبب غير مطابق للسؤال؟ إما بزيادة أو بنقصان، قيل: أما بزيادة فنعم، وقد قال لما سئل عن التوضي بماء البحر:"هو الطهور ماؤه، الحل ميتته"، بزيادة بيان حكم ميتته، وأما النقصان عما سئل عنه، فإن مست الحاجة إلى بيان جميعه، ولم يكن في المذكور تنبيه على المسكوت عنه، فإن ذلك لا يجوز لما تقدم في باب البيان، وإن [كان] فيه تنبيه، إذا فكر فيه السامع علم منه حكم المسكوت عنه، فإن ذلك يسوغ، وأما إن لم تمس الحاجة إلى بيان ما سئل عنه فذلك جار على الخلاف المذكور في باب البيان.
[فصل في حقيقة الاستثناء]
الكلام فيه من أربعة أوجه: اشتقاقه، وانقسامه، وتعداده، وأعرابه.
فأما اشتقاقه فهو من قولك: ثنيت زيدا عن رأيه، أي صددته عنه، وصرفته عن مراده. أو يكون مشتقا من العطف والعود كقولك: ثنيت الحبل، بمعنى عطفك بعضه على بعض، وثني الثوب: ما كف من أذياله وأكمامه، سميت بذلك لما فيها من انعطاف بعضها على بعض. وهذان المعنيان يتصوران في الاستثناء النطقي، لأنه إذا قال: جاء القوم، فقد تضمن هذا دخول زيد يهم على القول بالعموم، أو جاز دخوله فيهم على القول بالوقف، فإذا قلت: إلا زيدا، فقد صرفت الكلام عن مقتضاه الواجب له والصالح فيه. وكذلك أيضا فيه معنى الانعطاف، لأنك كأنك انعطفت على زيد فأخرجته من خطاب كان داخلا فيه، وثنيت حديثه، فإن قيل: يلزم على هذا أن يسمى التخصيص المتصل استثناء كقولك: جاء القوم ولم يجئ [زيد، فهذا فيه] صرف الكلام عن مقتضاه، وفيه أيضا انعطاف على ذكر زيد،